دراسة بحثية حول تعزيز تعلم العلوم في بيئات تعلم غير رسمية

عبير بنت محمد البوسعيدية

 

إن أحد الأهداف الأساسية لتعليم العلوم هو تنمية المهارات العلمية للطلبة، وتطوير قدراتهم على المشاركة في البحث العلمي، وتعليمهم كيفية التفكير في سياق علمي (NRC, 2012). ولقد ذكرت الأكاديمية الأسترالية للعلوم (Australian Academy of Science, 2006) الوارد ذكرها في (Burns, Martin & Collie, 2019) أن العلوم يعتبر رأس المال الفكري الذي تعتمد عليه المجتمعات من أجل التقدم والازدهار في المجالات الأساسية للتنمية مثل الطب، والهندسة، والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات، لذلك يعتبر تحسين المعرفة والمهارات العلمية لدى الطلبة أمرًا ضروريا للبحث والابتكار المستقبلي اللذان يدعمان قدرة المجتمع على المنافسة.

وبما أن مناهج العلوم ذات طبيعة متجددة ومرتبطة بحياة المتعلم اليومية، فإن الطرق التقليدية في تدريس العلوم لم تعد تلبي طموح الطالب، فهو يتلقى المعلومة دون أن يتفاعل معها أو يحاول ربطها بالواقع الذي يعيش فيه، ومن هذا المنطلق سعى التربويون إلى استحداث طرق تدريسية جديدة ومبتكرة تمكن الطالب من خلالها ربط ما تعلمه بحياته اليومية؛ لذلك فإن التعلم يحدث عندما يكون الطلبة محور العملية التعليمية ويكون دور المعلم مسهل وميسر ومدعم لتعلمهم من خلال  نشاط جاذب أو تحد قابل للحل أو مشكلة متصلة بواقع حياتهم، مما يجعل التعلم ذا صلة بهم وبالتالي يتحملون مسؤولية تعلمهم من خلال المشاركة الفاعلة في مختلف الأنشطة التي يوفرها المعلم لهم ( Wang, Sneed & Wang, 2020).

إن الهدف الرئيسي للإلتحاق في المدرسة هو إعداد الطلبة للحياة خارج المدرسة وتأهيلهم لمستقبل جيد ومثمر، وعلى الرغم من ذلك لم يعد تعلم العلوم مقتصرًا على الفصول الدراسية داخل أسوار المدرسة، فقد أصبح من الممكن أن يحدث التعلم في أي وقت وفي أي مكان، فالزيارات إلى المتاحف، والمعارض والشواطئ وغيرها من بيئات التعلم غير الرسمية تعتبر جزءًا من معظم برامج المدرسة الترفيهية والتربوية، ولكن السؤال الآن هل هذه الزيارات بالفعل توفر تجارب تعليمية للطلبة؟ وكيف يمكن للمعلم أن يشجع ويعزز التعلم في بيئات تعلم غير رسمية؟.

إن من العوامل الأساسية لنجاح العملية التعليمية هي توفير بيئة تعلم مشجعة ومحفزة لتعلم الطلبة وإكسابهم مهارات التعلم الذاتي وأنماط التفكير الناقد، والإبداعي، وما يميز بيئة التعلم الفاعلة هو أنها متطورة باستمرار وغير مقيدة بمكان أو وقت معين، لذلك من الممكن تصنيف بيئة التعلم إلى نوعين أساسيين هما: بيئة تعلم رسمية وهي عبارة عن مجموعة من العوامل، والظروف، والمكونات التي تساعد الطلبة على تحقيق أهداف التعلم داخل الغرفة الصفية أو المدرسة، بينما يعرف النوع الآخر ببيئة التعلم غير الرسمية،  ولقد اهتم التربويون بدراسة بيئات التعلم غير الرسمية التي يمكن تعريفها بأنها أماكن أخرى غير المدرسة يمكن أن تساعد الطالب من خلالها على التعلم وتوفير تجارب مثمرة ومختلفة له مما يدفعه نحو التعلم، وتنمية مهارات التفكير العلمي لديه بحيث تمكنه من التعامل مع المشكلات الحياتية المستجدة، مثل البيئات الطبيعية بما تحتويه من شواطئ وجبال وأودية وحدائق طبيعية ومزارع، وبيئات متمثلة في المنشآت كالمصانع، والمتاحف، والمؤسسات الحكومية والخاصة، ومهرجانات العلوم، وغيرها.

أشار كلا من إليسور وديسر وبوجنر  ( Elsewhere, Dieser  & Bogner, 2016 ) الوارد ذكرهم في (Canovan, 2019) أن تجربة التدريس في الهواء الطلق والاتصال المباشر مع الطبيعة ينتج عنه زيادة كبيرة في المعرفة من قبل المتعلمين. ومن وجهة نظر الباحثة ترى بأن الرحلات التعليمية من أفضل الطرق التي توفر خبرات حسية عن طبيعة الأشياء المحيطة بالطلبة، وبالتالي تعمل على تقريب المادة العلمية إلى أذهانهم وزيادة فهمهم لها، والقدرة على توظيف هذه المعلومة في حياتهم العملية واليومية.

ونقصد هنا بالرحلات التعليمية بأنها أي نشاط تعليمي في بيئات تعلم غير رسمية  يقوم به المعلم والطلبة  لتحقيق هدف تعليمي معين، مثل: رحلة تعليمية هادفة للمتاحف، والمصانع، والشواطئ، والجبال، والمستشفيات، والمعارض العلمية، وغيرها من البيئات التي تمثل مجالا خصبا لتعلم العلوم، وإكساب المتعلمين خبرات لا يمكن أن تتم داخل غرفة الصف لذا ينبغي على المعلم وبالأخص معلم العلوم أن يعير اهتماما تامًا لهذا النوع من التعلم ويعتبره جزءًا أساسيا في تدريس العلوم بكل مراحله التعليمية؛ لما يحققه من أغراض تربوية وتعليمية هادفة، على سبيل المثال – وليس الحصر – تعمل الرحلات التعليمية على تنمية شخصية الطالب، كما أنها تنمي الميول والاتجاهات الإيجابية لديه نحو العلوم، وتزوده بالخبرات العلمية الجديدة بحيث يستطيع توظيفها في حياته اليومية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تساعد المعلم على دمج الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة مع غيرهم من الطلبة، حيث ذكرت هارشبارغر (Harshbarger, 2019) بأن الصف الدراسي يستضيف مجموعة من الطلبة المختلفين ليس فقط في مستويات الاستعداد الأكاديمي والميول والشخصيات، ولكن أيضا بعض الطلبة لديهم إعاقات جسدية يجب مراعاتها عند تدريس العلوم، لذلك يجب على المعلم أن يخطط لدروس العلوم بشكل جيد لضمان حصول جميع الطلبة على فرص لتعلم المفاهيم والمهارات العلمية بنجاح.

ولقد أشار دو وآخرون (Dou et al. 2019) غالبا ما يحتفظ المتعلمون الذين خاضوا الأنشطة العملية أثناء الرحلات الميدانية بمزيد من المعلومات المتعلقة بالموضوع، والقيم، والكثير منهم أعادوا زيارة مواقع الرحلات الميدانية المدرسية لاحقا في حياتهم.

يعتبر مهرجان العلوم من أهم الوسائل لنشر الوعي بأهمية العلوم في تقدم البشرية بين فئات المجتمع خصوصا طلبة المدارس، ويقصد هنا بمهرجان العلوم بأنه مهرجان يعرض مجموعة من الأنشطة والفعاليات المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا ويشمل على العديد من الأحداث المتنوعة، بما في ذلك المحاضرات، وورش العمل، والعروض الحية للتجارب العلمية، وغيرها من الأنشطة المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا.

وتأكيدا على حرص السلطنة بالاهتمام بالعلوم انطلقت فعاليات مهرجان العلوم في نسخته الثانية في نوفمبر الماضي من العام الحالي تحت شعار " الثورة الصناعية الرابعة... تقنيات بلا حدود"، وتضمن المهرجان العديد من المشاريع العلمية الطلابية و مشاركات من منظمات عالمية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، كما أستضاف المهرجان متحدثين عالميين في مجالات مختلفة، إلى جانب أكثر من 300 فعالية تضمنت مسابقات رائدة في البرمجة والروبوت ومسابقات الهاكاثون ومسابقات الطائرات بدون طيار (الدرون) وعروضا علمية على مسرح المهرجان، بالإضافة إلى السينما العلمية. وكان الهدف الأساسي من هذا المهرجان هو تحفيز المتعلمين من طلبة المدارس نحو الابتكار، وتنمية مواهبهم ومهاراتهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وإكسابهم مهارات الاستقصاء العلمي، وخلق اتجاهات ايجابية لديهم نحو العلوم، وإتاحة الفرصة لهم للالتقاء بنخبة من الباحثين والمتخصصين في مجالات العلوم من داخل السلطنة وخارجها.

ولقد أشارت نتائج دراسة نوعية أجراها كنوفان (Canovan, 2019) هدفت إلى معرفة وجهة نظر المعلمين وطلبة المدارس ومنظمين مهرجانات العلوم في المملكة المتحدة حول التعلم الذي يحدث لدى الطلبة من زيارتهم المدرسية للمهرجانات العلمية بأن هناك إثارة وشغف لدى الطلبة  نحو تعلم العلوم أدى ذلك إلى تنمية اتجاهات ايجابية لديهم نحوها، وفي المقابل كان هناك قصورًا في تعلم الطلبة عن المهن المرتبطة بالعلوم، حيث لم يكن الطلبة على دراية بهذا كهدف. ولتحقيق التعلم المنشود من هذه المهرجانات العلمية خرجت الدراسة بعدد من التوصيات منها: ينبغي على منظمي المهرجان تقديم معلومات عن الأهداف التعليمية للمهرجان العلمي للمعلمين الذين بدورهم يقدموها للطلبة، كما عليهم أن يتأكدوا بأن الطلبة على علم بأنهم سيقابلون علماء ومتحدثين عالميين في مجالات علمية مختلفة، ويجب على المعلمين أن يسألوا الطلبة عن الجانب المفضل لديهم من العلوم ليخططوا في المستقبل للعمل في هذه المجالات.

مما سبق تتضح لنا الفائدة والقيم المستفادة من تعزيز تعلم العلوم في بيئات تعلم غير رسمية، ولكن واقع الحال بالنسبة لمدارسنا يشير إلى اتباع نهج غير منظم ولا يتوافق مع الأهداف التربوية التعليمية لهذا النوع من التعلم، حيث غالبا ما يكون الهدف من الرحلات المدرسية هو التسلية والترفيه في الحدائق العامة والملاهي والمراكز التجارية، لذلك من المهم أن تدرك المدرسة وبالأخص المعلم على أن هذه الرحلات لا ينبغي أن تتم بصورة عشوائية وإلا أصبحت ذات هدف ترفيهي أكثر منه تربوي، لذا يجب التخطيط له كجزء من التخطيط للتدريس حتى تتحقق قيمته التربوية والتعليمية. ومن خلال خبرة الباحثة في تدريس مناهج العلوم ترى بأن هناك خطوات أساسية لتنفيذ الرحلات العلمية  في بيئات تعلم غير رسمية بشكلها التعليمي المنشود، حيث ينبغي على المعلم أولا تحديد الهدف من الرحلة هل هي لإثارة الطلبة بموضوع علمي معين أو لجمع معلومات حول مشكلة والبحث عن حلول لها أو القيام بتجربة علمية محددة، وثانيا يجب عليه تحديد مكان ووقت الرحلة والزمن اللازم لتنفيذها، كما عليه توضيح شروط تنفيذ الرحلة للطلبة، ويأتي تنفيذ الرحلة والتأكد من احتياطات الأمن والسلامة كخطوة ثالثة أما الخطوة الأخيرة والأهم هي تقويم الرحلة من قبل المعلم والطلبة لمعرفة مدى تحقيق الأهداف المرجوة من الرحلة، ومناقشة الطلبة حول موضوعها، بالإضافة إلى تكليف الطلبة بإعداد تقرير عنها أو تعبئة ورقة عمل خاصة عن الرحلة أعدها المعلم مسبقا.

 

 

 

 

 

 

المراجع:

Burns, E., Martin, A., & Collie, R. (2019). Examining the yields of growth feedback from science teachers and students’ intrinsic valuing of science: implications for student- and school-level science achievement. Journal of Research in Science Teaching, 56, 1060-1082.

Canovan, C. (2019). More than a grand day out? Learning on school trips to science festivals from the perspectives of teachers, pupils and organizers. International Journal of Science Education, 9, 1-16.

Dou, R., Hazari, Z., Dabney, K., Sonnert, G., & Sadler, P. (2019). Early informal STEM experiences and STEM

Identity: The importance of talking science. Science Education, 103, 623–637.

Harshbarger, D. (2019). “Lightbulb” moments for all learners: planning and simple adjustments facilitate differentiation. Science and Children, 49, 49-55.

National Research Council. (2012). A framework for K-12 science education: practices, crosscutting concepts, and core ideas. Washington, DC: National Academies Press.

Wang, J., Sneed, S., & Wang, Y. (2020). Validating a 3e rubric assessing pre-service science teachers’ practical knowledge of inquiry teaching. Eurasia Journal of Mathematics, Science and Technology Education, 16, 1-12.

 

تعليق عبر الفيس بوك