"شهر البلديات" في ظفار.. مفقود!

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

 

تحضرني تجربة يتيمة لمُنافسات شهر البلديات بظفار في تسعينيات القرن الماضي حيث يتنافس الأهالي في المُساهمة مع البلدية لتطوير نياباتهم وولاياتهم ومن الذكريات الجميلة فوز منطقتنا بالكأس على مستوى نيابات المحافظة ولا زال ذلك الكأس قابعاً في مكتب النائب إلى اليوم وغيره من الكؤوس التي لفها الغبار في ولايات ونيابات أخرى كشاهد على تعاون نادر بين المُواطنين والحكومة والقطاع الخاص وصدق النوايا لخدمة المُحافظة.

فالتجربة التي عشتها كشاهد عيان منحتني شعوراً لا يُمكن نسيانه وخاصةً مع تبرع الأهالي والشركات وتلاحم الجهود وخلق بيئة توحي بروح التشارك في حب الوطن، وأذكر جيداً حفل تسليم كأس شهر البلديات بولاية مرباط حيث لا زال الجميع يذكر فرحة استلام كأس التميز في ذلك العام وهو نفس الشعور لدى أي نيابة أو ولاية أخرى نالت هذا الشرف في تلك الحقبة.

قام المواطنون والقطاع الخاص بالتشارك مع بلدية ظفار ومع بقية الجهات الخدمية خلال تلك التجربة التي ألغيت لاحقاً بإنشاء الكثير من المشاريع الخدمية مثل رصف عشرات الكيلومترات من الطرق بالإسمنت وصيانة العيون وزراعة الأشجار وتنظيف الأماكن العامة وتنفيذ حملات التوعية البيئية والبلدية للمُواطنين في تجمعاتهم السكانية وتوزيع المنشورات التوعوية وصيانة المرافق العامة وتمديد المياه وتوصيل الكهرباء وكان الجميع يهبون للمساهمة وأذكر أن الكثير من المواطنين يبيعون مواشيهم للمساهمة في ذلك الجهد الذي يدفعه فعل الخير وحب المنافسة والتميز، كما كان أصحاب الأيادي البيضاء يجدونها فرصة سانحة لدعم تلك اللفتات الخيرة طلباً للثواب والأجر فجميع تلك المشاريع صدقة جارية ولم يتردد تجار ووجهاء المُحافظة في تقديم الدعم  المادي والمعنوي فشكلت هذه الجهود صفحة وطنية ناصعة لا زالت حاضرة إلى اليوم.

لا أجد مُبرراً لإلغاء مُنافسات شهر البلديات في ظفار ولا يُمكن الاستناد إلى حدوث إشكالات بسيطة لمسح هذا الجهد الكبير الذي يمنح مساحة واسعة للمُواطن للمشاركة والانتماء للأرض فحدود الولايات والنيابات لا يمكن أن تكون عائقاً أمام هذا العمل ولا يجب السماح للبعض بتبني هذا التوجه الإقصائي فهو محدود في النهاية مقارنة بالفوائد المرجوة من هذه المشاركة الاجتماعية ويجب لجم أختام المعارضات ومصطنعو الخلافات فالحدود الإدارية لكل نيابة أو ولاية لا تقاس بحضور وغياب عنصر بشري مُعين بل بالجانب التخطيطي البحت لتقديم الخدمات ومن هنا نجد أن جميع الأسر ومن مختلف القبائل منتشرة في مُختلف ولايات ونيابات السلطنة حيث لا يُمكن حصر مكون معين في رقعة جغرافية بعينها واعتبار ذلك هو المُحدد الرئيسي لكل ولاية أو نيابة.

للأسف نرى أن التعامل مع قضايا كهذه يأخذ طابعاً يهول الإشكالات البسيطة ويصنع منها قضايا والمواطن كذلك لا زال لم يستوعب تغير المرحلة بسبب لجوء الجهات المعنية لتجميد أي موضوع مهما كان نفعه للعامة إذا اختلف عليه مجموعة محدودة من النَّاس تدفعهم الحمية والجهل معاً وغياب التعامل الموضوعي بعيداً عن اللجوء للرادع، لذلك نرى أنَّ إلغاء منافسات شهر البلديات في ظفار ومنع الاحتفالات بالعيد الوطني في النيابات والولايات والاستغناء عن خدمات اللجان المحلية المكونة من الشيوخ والوجهاء في النيابات المنوط بها حل أي خلافات في تلك النيابات أو الولايات خلقت واقعاً غير سوي، فكل ما يختلف عليه يتم إيقافه على مستوى المُحافظة ويصنف كبؤرة يجب طمرها.

نعتقد بأنَّ تحميل المكون القبلي كافة تباعات الإخفاقات وتراجع مستوى الخدمات أمر غير عادل، ويمكن تصنيفه كهروب إلى الوراء، لذلك نُطالب بعودة منافسات شهر البلديات إلى محافظة ظفار أسوةً ببقية محافظات السلطنة وإعادة هيكلة اللجان المحلية لتتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والسماح بالاحتفال بالمناسبات الوطنية في المراكز الإدارية للنيابات والولايات مجدداً حسب أطر محددة لا يمكن تجاوزها فالكثير ممن قابلناهم يرون في الاحتفال السنوي داخل مناطقهم فرصة للتعبير الصادق عن الانتماء للوطن والولاء للسلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-.