هل تسمع الحكومة صوت المواطن؟!

 

مسعود الحمداني

كثيراً ما تردني عقب بعض المقالات تعليقات من قبيل: "..كلام واقعي، ولكن لا حياة لمن تُنادي"، أو "..المسؤولون لا يقرأون.."، أو "لا أحد يسمع صوت المُواطن.."، وعلى شاكلة هذه العبارات الكثير، من تلك التي تفترض أنه لا جدوى من الكتابة، ولا استجابة للنداءات التي تُنشر أو تُبث في وسائل الإعلام، وأن المسؤولين في وادٍ والمواطن في وادٍ آخر، وهي تمثل حالة من شعور بعض المواطنين بأن صوته لا يصل، وإنْ وصل لا يُسمَع، وإن سُمِع لا تُنفّذ طلباته، فهم ينتظرون التنفيذ الفوري لما يتم نشره، أو بثه دون إبطاء أو تأخير.

والحقيقة أنَّه طوال عملي في الكتابة والصحافة قبل ما يقرب من الثلاثين عامًا، واجهتُ العديد من المواقف، وخبرتُ الكثير من القضايا، وتمَّ الأخذ بكثير من الملاحظات والمقترحات التي تناولتُها أو تناولها غيري، ورأيتُ أن هناك ثلاثة أنواع من المسؤولين لا يخرجون عنها، النوع الأول: هم أولئك المسؤولون الذين يقرأون ما يكتبه الصحفي، وما يبثه المواطنون من شكاوٍ في البرامج، ويسمعون ما يطالبون به في وسائل الإعلام المختلفة، وهم قريبون من نبضه، وينفذون ما يمكن تحقيقه أحياناً بصفة فورية، وأحياناً بصورة روتينية بعُد الزمان أو قرب.

أما النوع الثاني: فهم أولئك الذين يقرأون المقالات، ويسمعون الشكاوي، أو (تُنقل) لهم أحيانًا من دائرة الإعلام التابعة لمؤسساتهم، ولكنهم يصرون على خطأهم، ويكابرون على تجاوزاتهم، ولا يدعون أحدا يوجّه توجهاتهم، أو يعدّل مساراتهم، سواء كان ما يُنشر صحيحاً أم لا، وهم لذلك لا يعيرون ما يُكتب، أو يُقال اهتمامًا، وإن نفذوا بعض الملاحظات، فإنَّ ذلك يتم عبر مراحل، حتى لا ينسبون فضلاً لغيرهم..

أما النوع الثالث: فهو النوع الأسوأ الذي لا يقرأ ولا يسمع، ولا يُشاهد، ويعيش في برج عاجيّ، ينظر لنفسه بأنه المسؤول الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويعمل بعيدًا عن أي (ضغوط) إعلامية، وهو يعلم أنه سالم في كل حالاته، سواء أصاب أو أخطأ!

وفي كل الحالات الثلاث التي ذكرْتها، هناك جهات حكومية (عُليا) مهمتها القراءة والتوجيه والاستفسار والتنبيه، وهي على تواصل وإطلاع على كل ما يُكتب أو يُقال، فلذلك لا يخشى كاتبٌ أو مواطنٌ على ضياع جهده، أو غياب صوته، إلا أنه من الطبيعي أنه لا يمكن تنفيذ كل المطالب، أو تحقيق كل المقترحات، ولكنها عادة ما تُدرس المقترحات وتخضع للتقييم، والملاحظة، فالحكومة التي لا تسمع صوت مواطنيها ولا تشعر بمعاناتهم هي حكومة صماء بكماء عمياء لا صلة بينها وبين شعبها، إلا صلة الطاعة والخضوع، والوعد والوعيد، ولذلك لا يثق المواطن بها، ولا يعرها اهتمامًا، وهذا ليس من سمات حكومتنا الرشيدة في السلطنة.

وهناك نوع من المسؤولين الذين لا يتحركون ولا يسمعون، ولا يتكلمون إلا حين يعلو صوت المواطن، وحين يسمع أنينه في الإذاعة، وبكاءه على الهواء، وفي تلك الحالة فقط تسارع الجهات المعنية بدراسة موضوعه، وحل مشكلته!! وأحيانًا تأتي تلك الاستجابة السريعة بضغوط من (جهات عليا)، وذلك حين يبلغ صوت ذلك المواطن عنان السماء، ويتكلم بحرقة، ويشرح مأساته، لأنه لم يلقَ في المؤسسة المعنية بمشكلته آذاناً تصغي، ولا مسؤولا يسمع، ويخفف من ألمه، فلجأ إلى الإعلام سواء الإذاعة أو الصحف أو وسائل التواصل الاجتماعي، كي يوصل قضيته، رغم أنَّ وسائل الإعلام التقليدية كثيرا ما تحجم عن تفعيل دورها، بحجة عدم (المساس) بمسؤول ما، أو إزعاج الحكومة!! وهو دور اختارته هي- أي وسيلة الإعلام- ولم يُطلَب منها لعب دور المدافع عن فشل مسؤول أو التستر على مُعاناة مواطن.

ورغم كل المعوقات والتحديات ففي الكتابة منفذ نور، وفي الإعلام بصيص أمل، وفي الحكومة مسؤولون يعملون ليل نهار لتصفو سماء هذا الوطن، وتعلو رايته، ويأخذ كل ذي حقٍ حقه طال الزمان أو قصر.. فاكتبوا، وارفعوا أصواتكم، فحكومة يرأسها جلالة السلطان المُعظم- حفظه الله ورعاه- لا يزعجها صوت الحق.