الرؤية تحاور الشاعر الليبي مصطفى جمعة

...
...
...

 

  • الألم هو السلطة الوحيدة التي بيد الشاعر.
  • القلم والورقة لا يفارقننى وأنظر إلى الأشياء بحياديّة.
  • لحظة الكتابة هي مراوغة لها خصوصيتها وقوانينها الخاصة!
  • القصيدة محاولة استنساخ الذات على الورق ومن خلال الكلمات.
  • برحابة هذا الوطن تعمق انتمائي وأفصل بين الذاتي والموضوعي.
  • أتساءل: متى ترسو سفينة ليبيا على بر الأمان ونبدأ مسيرة البناء؟

حاورته: ريم العبدلي| ليبيا

 

س: حدثني عن نفسك؟

ج: مصطفى جمعة صابر 57 سنة  توزع انتمائي لأكثر من مدينة فى ليبيا، فأنا ابن البيضاء طفولة وشبابا، وابن الكفرة كهولة وأصولا، عشت في رحاب الجبل الأخضر، وتشربت روحي أنفاس وديانه وجباله، وتلونت بخضرته وزرقة سمائة، وعشت أيضا في صحراء الجنوب الشاسعة، فامتدت روحي بقدر اتساعها، وارتوت طيبة أهلها، وتفيأت ظلال نخيلها، ونهلت عذب مائها.. وتعمق انتمائي لهذا المدى الرحب برحابة الوطن بقدر المسافات التي توزعت عليها روحي وأفتخر بذلك.

***

س: متي دخلت رحاب الكلمة؟

ج: مبكرا جدا.. في مرحلة النضوج الأولى منذ أن عرفت أن الكلمة المكتوبة لها هذا السحر الذي يأسرك بسطوته وقوة تأثيره، نبهنى المعلمون الأفاضل في سنوات تعليمي الأولى إلى هذه الموهبة ووجهوني إلى تنميتها وكان دعمهم وتشجيعهم وإشادتهم بي أكبر دافع لترسيخ حب الكتابة الذي نما معي ورافق كل مراحل حياتي.. وهكذا كانت البداية من حصة الإنشاء (التعبير) في المدرسة ثم تحولت إلى شيء أساسي في تكوين شخصيتي وكان القلم والورقة شيئان لا يفارقاننى أبداً.

***

س: هل ثمة فاصل بين الذاتي والموضوعي في كتاباتك؟

ج: لفترة طويلة كانت كتابتي مغرقة في الذاتية لم يكن هناك وضوح لما هو خارج عن ذاتي كموضوع للكتابة أو بالأصح لم يكن هناك مكان له. ثم بدأت تدريجيا تنمو جدلية الذات والموضوع التي هي مرحلة يمر بها كل كاتب تقريبا، تلك المرحلة التي يستطيع فيها الكاتب النظر إلى الأشياء بحيادية ويتمكن حينها من أن يتفاعل مع محيطه وأن يتسع تناوله للقضايا التي يهتم بها وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الفاصل بين الذاتي والموضوعى واضحا بل شديد الوضوح في وعي الكاتب. والحقيقة أنه ليس لدي ترجمة حقيقية لهذا الفهم على شكل كتاب أو إصدارات محددة لكنى أزعم أنى أملك هذا الفاصل الآن.

***

س: كيف يستطيع الشاعر أن يثق في شراسة المصافحة الأولي خلال لحظة الكتابة؟

ج: إنها لحظة مباغتة وهي غالبا لا تصافح.. بل تداهم وعليك أن تكون متأهبا لالتقاطها. إن الكاتب ليشعر بوعي بلحظة التدفق الواضح للأفكار التي قد تأتي كشريط متتابع متسلسل أو كتوهج مفاجئ، قد تختفى في ثانية إن لم يتلقاها الكاتب بوعي حاضر أو يسجلها إن تسنى له ذلك.. وقد تبقى واضحة في ذهنه ويبقى ممسكا بها إلى أن يسجلها  غير أن الكاتب لا يمكن أن يثق بديمومة تلك اللحظة التي قد تفقد بريقها سريعا وتتلاشى. إنها لحظة مراوغة لها خصوصيتها وقوانينها الخاصة!

***

س: هل برأيك أن الشاعر امبراطور؟

ج: لا يملك الشاعر هذا الترف..! الشاعر لا يتمتع بسطوة السلطة والهيمنة ربما حتى على كلماته إنه رسول ذلك الوحي الخفى الذي ينفجر بداخله فيكتب لأنه لايملك إلا أن يكتب!... يكتب ما يمليه ذلك الارتجاج الداخلي العميق الذي يقذف بالكلمات كالحمم والشواظ الملتهبة التي لا طاقة له بإيقافها. الشاعر نبع يتدفق إن فاض ما بداخله أو مجنون يهذي يرتعش القلم في يده أو موجوع يئن ألما ولو جاز أن نقول إن الألم هو السلطة الوحيدة التي بيد الشاعر فإنه يوجه هذه السلطة إلى ذاته.. ولو جاز أن نقول إن الشاعر امبراطور فهو امبراطور نفسه وقصيدته هي امبراطوريته!

***

س: المتلقي يرى بأن القصيدة رسالة مفتوحة.. فكيف يرى الشاعر القصيدة؟

ج: يقول الشاعر الكبير محمود درويش: (القصيدة ضربة نرد!!) ويقول الشاعر الأرجنتيني خورخى لويس  (القصيدة هي مجموعة انفعالات) ويقول الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث: (القصيدة هي قناع يخفي الفراغ، دليل جميل على العظمة غير الضرورية لكل عمل إنساني!!)  لكل شاعر الحق في أن يسمي القصيدة كما يراها.. وكيفما يسمي الشاعر القصيدة فهو مصيب في تسميته.. أنا أراها حوارًا... حوارًا مفتوحًا مع الحب، مع الحزن، مع الضجر واليأس والأمل والترقب، حوار مع العالم الداخلي اللا محدود، محاولة استنساخ الذات علي الورق ومن خلال الكلمات.. صراع مع واقع مناوئ وصيرورة مؤجلة، إنها كل ذلك الزخم الذي يجعلنا نتذوق الحياة بحلاوتها ومرارتها.. إن القصيدة تعني أن لا نقف من الحياة موقفا حياديا أوسلبيا.

***

س: هل النقد يهدف لإضاءة العمل الإبداعي؟

ج: نعم.. هذا ما يجب أن يكون عليه النقد وهذه هي مهمته الحقيقية، وهو بريء ممن يسيئون استخدامه.. شعراء كبار باسم النقد يوجهون سخطهم علي  الآخرين إلى حد تسفيه كل تجاربهم ومحاولاتهم تقفي آثار المبدعين من قبلهم أو السير على الطريق نفسه الذي ساروا هم عليه يوما ما.. أن أصل قبلك ثم ألتفت إليك وأحاول منعك من اللحاق بي متذرعا بالنقد متسلطا بحق غير شرعي في تقييم تجربتك هو ظلم وليس نقد.

أقول بعد هذه الكلمة التى يمليها الواقع الآن.. إن النقد ضرورى لتقييم وفرز ما بين أيدينا اليوم وللتفريق ما بين التجربة الشعرية الأصيلة والدخيلة الطارئة التي لا تمثل ثقافتنا الحقيقة. وسبق أن قلت إن: (النصوص بحيرات راكدة.. النقد يحركها يغوص بين حروفها يخرجها عن صمتها.. يجعلها ناطقة..).

***

 

س: برأيك عند كتاباتك أي قصيدة تجدها هدفًا أم وسيلة؟

ج: الكتابة عندى هي حالة خاصة جدا تبدأ عند ذروة الانفعال وتنتهي كالخلاص، بعيدا عن غاية محددة فالشعر إذا تناول قضية اجتماعية أو سياسية أو دينية، يتحول إلى وسيلة لنقل رؤية أو فلسفة ما، ولن يكون غاية في ذاته، فقديما كانت للشعر أغراض معروفة كالفخر والغزل والمدح والهجاء والرثاء وغيرها، فكان الشعر وسيلة للوصول إلى هذه الأغراض وليس هدفا بذاته، فالشاعر إذا تناول الواقع السياسي أو الاجتماعي فإنه يستخدم القصيدة كوسيلة لاشك في ذلك، أما إذا تناول الشاعر القصيدة كخلاصة ونظرة للحياة من واقع تجربته الذاتية أي عندما يستطيع الشاعر أن ينتج نصا متحررا من القيود والأغراض، نصا ينتمي فقط إلى اللغة هائما في فضاءاته الشعرية الخاصة وحواره الروحي الخاص، عندها تصبح القصيدة هدفًا متحررا من كل شيء لايمثل إلا نفسه ولا يعبر إلا عن ذاته.  بهذا المعنى أستطيع القول إن الكتابة عندي وسيلة وهدف.. وسيلة تعبير عما أود قوله، وهدف لأن تتحقق بذاتها وتتشكل في فضاءها الخاص.

 

س: ما الذي يشغلك الآن؟

ج: يشغلني الهم الذي يحمله كل ليبي.. هم هذا الوطن الذي تتلاطم به الأنواء وتعصف به الأحداث، هذا الوطن الذي يمر بمخاض عسير ولحظات تحول تاريخي وسياسي واجتماعى، والأسئلة التي تقض مضجع كل الليبين، متى ترسو سفينتنا إلى بر الأمان؟  متي نبدأ مسيرة البناء الحقيقية؟ متى نودع هذه الحقبة المظلمة من تاريخنا ونتركها وراءنا ونلقي بها في جُب النسيان إلى الأبد...

***

س: حدثني عن أعمالك ومشاركاتك؟

ج: صدر لي ديوان واحد مطبوع بعنوان الحلم الأخير وديوانان بعنوان (لواعج حرف)، و (بيادر الضوء) مخطوطان. وليس لي مشاركات في أمسيات أو ندوات أدبية.. أنشر ما أكتبه حاليا علي صفحتى الخاصة وفي بعض الصحف والمجلات الإلكترونية منها صحيفة المنبر والعربي اليوم وبلد الطيوب وصحيفة الرؤية العمانية.

***

س: رصيدك من الأعمال؟

ج: كتبت الكثير منذ رحلة البدايات الأولى ولكن لم تتح لي فرصة النشر إلا مؤخرا وكما أسلفت صدر لي ديوان واحد مطبوع بعنوان الحلم الأخير، وديوانان بعنوان (لواعج حرف)، و ( بيادر الضوء) مخطوطان.

***

س: لكل شاعر طقوسه الخاصة التي يمارسها عند الكتابة فما هي الطقوس التي تفضلها؟

ج: ليس لدي طقوس معينة لاستدعاء لحظة الإلهام للكتابة..فهي تأتى كما تشاء وربما أثناء القراءة أو انشغالي بأمر ما أو في ساعات الصباح الأولى أو أوقات متأخرة من الليل.. إلا إنني أحب أن أستمع للموسيقى الهادئة لأنها تساعد على الاسترخاء وتخفف كثيرا من التوتر الذي يشوش ويطغى على الأفكار.

***

 

س: يتميز الشعر بالعمق والإيحاء والجمال فما هي مصادر إلهامك الشعري؟

ج: أي انفعال.. سواء بما هو حسي أو متخيل.. هو مصدر لإلهامي وليس بالضرورة أن يكون ما أكتبه شعرا بالمقاييس المعروفة للشعر، فقد تكون خاطرة أو شيء من التأمل.. فبدون تعريفات أو قيود معينة أنا أعتبر أن كل ما يكتب ليعبر عن المشاعر هو بذاته شعر.

***

س: بصمة أخيرة تضعها لنا في مسك الختام؟

ج: إنها قصيدة من ديواني بيادر الضوء وهي بعنوان هذا أنا.....

 

هَذا أنا

بعْضي رحيلٌ

وبعضي غياب..

وبعضي

روافد نهرٍ

يشقُّ الضّباب

قد أنبت كوردةٍ

تخشي التّفتح

قد أهُبُّ

كعاصفةٍ من تراب..

وقد أتَلَبَّدُ كالغيوم ِ

وقد ألتَمِعُ

 كوهْج من سراب..

أنا أنتِ..

أيقونةٌ وُلدتْ

من رحم العذاب..

انا انتظارٌ

بحجم ليلِ..

يترقب  الاياب

بأرصفةٍ مترعةٌ بالملل

وكلمات بألف كتاب

أنا وأنتِ

من مساءٍ الي مساءْ

من اغترابٍ

الي اغترابْ..

قد آوى الي ليلٍ

مُخَضَّبٌ بالوعودِ

مشرع الأبواب

وقد أذوب  كدمعةٍ

وَلَهتْ من الشَّوقِ

واستتابت الحزنَ

فَتَابْ..

تعليق عبر الفيس بوك