"فايننشال تايمز": أمريكا في أمس الحاجة إلى "الناتو" أكثر من أي وقت مضى

مقال بقلم فيليب ستيفنز مدير التحرير في صحيفة فايننشال تايمز

ترجمة- رنا عبدالحكيم

"لا تلتقط صورا من فضلك".. هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للمصورين عند لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ يدرك جونسون أن ترامب- الذي كان متواجدا في بريطانيا لحضور قمة الناتو- لا يحظى بشعبية في أوساط الناخبين البريطانيين، وذلك قبل أيام من انتخابات مرتقبة.

وكان ترامب متسامحا على غير العادة بينما كان مضيفه يتحرك لتجنب الكاميرات. ومع احتفاله بالذكرى السبعين لتأسيسه، ربما يكون الحلف- المؤلف من 29 دولة- قد عمل على صياغة رؤية مستقبلية. ويمكن أن تستمر خطة التأسيس التي تنص على "إبقاء الأمريكيين في الداخل، والسوفييت خارجا، والألمان بالأسفل" لكن مع تحديثها.

ويقال إن منطقة الأطلسي تمر بأزمة، إذ إنها عالقة بين الولايات المتحدة والأوروبيين البائسين. وأثار خلاف علني بين ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشكوك حول فكرة تحالف موحد.

إن من الصعب توقع ما يفكر به ترامب أو يفعله. فقد اعتاد على وصف حلف شمال الأطلسي باعتباره منظمة غير ذات صلة وتكاليفها باهظة وتمثل عبئا غير عادل على دافعي الضرائب من الأمريكيين. لكنه الآن يرى أنه "يخدم غرضًا عظيمًا". فقد أذعن الأوروبيون وقرروا زيادة الإنفاق الدفاعي، ويريد ترامب الحصول على أموال الإنفاق. وعلى النقيض من ذلك، يصف ماكرون التحالف الآن بأنه "يعاني من الموت الدماغي"، ويريد من زملائه الأوروبيين إيجاد طريقة أخرى للدفاع عن أنفسهم.

وبعد الاستماع إلى الأوهام المتوحشة وغير المتسلسلة التي تشكل رؤية ترامب العالمية، يبدو من المنطقي أن نقول إن الأمور قد تبدو أسوأ إذا فاز بفترة ولاية ثانية في عام 2020. وما زلت أكافح مع المنطق الذي يقول إن من المصلحة الأمريكية اتباع سياسة العقوبات المفروضة على الحلفاء الأوروبيين إلى جانب اتفاق تجاري ثلاثي مع روسيا والصين.

إن أوروبا بحاجة إلى بناء قدراتها الخاصة. لقد بدأت بداية صغيرة في إفريقيا ولكنها ستحتاج إلى تحمل الكثير من المسؤولية عن أمن ورفاهية جيرانها القريبين. لكن الواقعية مطلوبة أيضًا. فأمام القارة طريق طويل قبل أن تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد النظام التوسعي في موسكو، على سبيل المثال.

والرئيس الفرنسي محق في القول إنه من المنطقي أن يتفاعل الغرب مع روسيا، كما فعل أثناء الحرب الباردة. ويجب أن تكون اتفاقيات الأسلحة النووية العديدة التي أبرمت خلال الحقبة الشيوعية نموذجًا لعلاقة تحدد المجالات ذات الاهتمام المشترك. ويجب أن نفترض أن ماكرون لا يتحدث عن تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ غربية وروسية. لقد انتهى ذلك الزمن. والحوار مع بوتين لن يكون مفيدًا إلا إذا بدأ الغرب من موقع القوة.

ويعتمد مستقبل الناتو، بالطبع، في النهاية على التزام أمريكا. وهنا، غالبًا ما يتم تجاهله، ويمكن التأكيد على أن للحلف مستقبل آمن. والجدل الدائر حول الالتزام العسكري الكبير غير المتناسب لواشنطن مستمر منذ وقت طويل لدرجة أن الكثيرين ينظرون إليه كخطوة تهدف إلى الإثارة وحسب. لقد دفعت أمريكا ثمن الناتو لأنه خدم المصالح القومية للولايات المتحدة وما زال يفعل.

وتقول النظرة الخاطئة لتلك المصالح الوطنية أن التركيز قد تغير مع صعود الصين. إن التحدي الذي تفرضه الأسبقية على الولايات المتحدة من بكين يعني أن المحيط الهادئ له أهمية الآن أكثر من المحيط الأطلسي. فروسيا لم تعد تهديدا مباشرا للولايات المتحدة.

ويعتمد هذا التحليل على سوء التقدير الأساسي بأن المنافسة بين أمريكا والصين ستقتصر على المحيط الهادئ؛ فتحرك بكين الأكثر أهمية هو غربا. وتُحسب مبادرة "الحزام والطريق" لتهميش روسيا وتقريب أوروبا من آسيا، وتأسيس الصين كقوة بارزة في "أوراسيا" أغنى منطقة في العالم من حيث عدد السكان. إن الانسحاب من أوروبا سيبرهن على أن الولايات المتحدة تقدم إلى بكين أهم طموحاتها الاستراتيجية على طبق من ذهب.

إن التخلي الأمريكي عن أوروبا من شأنه أن يفاقم حرمان الولايات المتحدة من الحلفاء والقواعد اللازمة للدفاع عن مصالحها العالمية. وبدلاً من ذلك، سيعيد تعريف الولايات المتحدة كقوة نصف كروية، وأنها لاعب إقليمي أكثر منه عالمي. والكثير من الأمريكيين، حسب علمي، سئموا من دور الشرطي العالمي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة