تحديات تواجهها المحكمة الجنائية الدولية

سارة بنت سيف البروانية

ماجستير جامعة السلطان قابوس

 

لماذا لم تستكمل بعض الدول إجراءات التصديق على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية بالرغم من توقيعها عليه؟ ولماذا تمتنع بعضها حتى عن التوقيع؟؟ سؤال لم تتم الاجابة عليه بصورة واضحة من الدول الأعضاء إلا اليسير منها. فما هي الاسباب التي تدعو إلى عدم التصديق والانضمام إلى نظام روما؟

تعتبر المحكمة الجنائية الدولية، أو كما يطلق عليها - محكمة الملاذ الأخير-  والتي تأسست بموجب نظام روما أول محكمة دولية دائمة تختص بالقانون الجنائي. فهي مكلفة بمحاسبة الأفراد المسؤولين عن جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم العدوان والتي تشكل بمجموعها جرائم لها طابع دولي حيث ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في هذه الجرائم عندما يبدي القضاء الوطني عجزًا أو عزوفًا عن التحقيق في تلك الجرائم أو محاكمة مرتكبيها. ولم تكن لتظهر هذه المحكمة لو لم يقر بها المجتمع الدولي عبر التصديق على نظامها الأساسي، ناهيك عن التزام الدول غير الأطراف كنتيجة لتصديقها لاتفاقيات جنيف الأربعة سنة ١٩٤٩ والتي أصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي. إلا أنه من الطبيعي أن تواجه هذه العلاقة بين الدول والمحكمة عدة تحديات، تتمثل أولى هذه التحديات في السيادة الوطنية. فعلى الرغم من التأكيد على مبدأ التكامل وعلى إعطاء أولوية الاختصاص للقضاء الوطني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأطراف، إلا أن هناك دول تعتبر أن إعطاء الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية ينتقص من سيادتها.  هذا بالإضافة إلى تحفظها على مسألة خضوع مواطنيها وخصوصًا ممن يتمتعون بالحصانة لاختصاص المحكمة الدولية، على الرغم من أن الهدف من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يتمثل في تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وعدم التذرع بالمناصب الرسمية مهما كانت.  وهذا ما حصل عندما تم التحقيق مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير لارتكابه جرائم دولية في إقليم دارفور أثناء مزاولته لمنصبه كرئيس لدولة السودان. كما يشكل فرض التزام على الدول للتعاون مع المحكمة تحدي ثانٍ أمام فعاليتها، ذلك أن مباشرة التحقيق من قبل المحكمة يكون على اقليم الدولة التي وقعت بها الجريمة، وتلك الدولة هي التي بيدها جمع الأدلة وإلقاء القبض على المتهمين. ودون قبول هذا الالتزام بالتعاون مع المحكمة، لن يكون بإمكان الأخيرة المضي قدمًا في إجراءات التحقيق؛ وعادة يكون ذلك لعدة أسباب منها عدم رغبة الدول في تسليم مواطنيها المتهمين، ووجود حالات تبرر عدم التعاون بموجب النظام الأساسي للمحكمة كما في حالة حق الدولة في رفض طلب التعاون إذا طلبت المحكمة مستندات سرية تتعلق بالأمن الوطني والتي نصت عليها المادة (٩٣٤) من النظام الأساسي للمحكمة، أو في حالة تأجيل التعاون وفقًا للمادة (٩٨) من ذات النظام والتي راعت أحكامها العلاقات الدولية الدبلوماسية. فمثلًا لا يمكن تقديم طلب قبض على الدبلوماسيين المتواجدين خارج دولتهم إلا بعد حصول المحكمة على موافقة الدولة التي يحمل جنسيتها الشخص الدبلوماسي.

 

أما التحدي الثالث والأخير، فيتمثل في موقف الدول من التصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث إن عدم التصديق يغل يد المحكمة من ممارسة اختصاصها على تلك الدولة، مما يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا مثالًا للدول المعارضة لاختصاص هذه المحكمة حيث مارست الولايات المتحدة ضغوطًا في مؤتمر روما على عمليات الأمم المتحدة في حفظ السلام، كما امتدت ضغوطاتها على الدول الأطراف كالاتفاقية الثنائية مع رومانيا وطاجاكستان -وهي دول أطراف في المحكمة- والتي نصت في أحكامها على منع تسليم الرعايا الأمريكيين إلى المحكمة الدولية. أما بالنسبة للدول العربية فقد وقعت على النظام الأساسي للمحكمة ثلاث عشرة دولة منها السلطنة، خمس منها فقط صادقت عليه وهي الأردن، جيبوتي، جزر القمر، تونس وحديثًا في يناير ٢٠١٥ انضمت فلسطين، حيث إن أبرز مبرر لهذا العزوف يتمثل في وجود تعارض بين النظام الأساسي للمحكمة والتشريعات الداخلية لتلك الدول والتي تتطلب إجراءات معقدة لتعديل هذه القوانين.

في الختام، يتطلب تفعيل دور وهدف المحكمة الجنائية الدولية المنشود ضرورة تعاون من كل من الدول، وتوضيح المحكمة لأحكام ميثاقها، والتأكيد على مبدأ التكامل الذي يقوم عليه اختصاص المحكمة على وجه الخصوص، والذي لا يسحب اختصاص القضاء الوطني، وإنما يأتي كدور مكمل له إذا ما كان غير قادر أو غير راغب في التحقيق والمحاكمة، حيث إن تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية يشكل أمرًا مهمًا للقضاء على امتيازات الحصانة والألقاب والمناصب ووضع جميع المتهمين على مستوى واحد دون تمييز والذي سيؤدي إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

تعليق عبر الفيس بوك