جداريات قصر الحمراء !

 

< "إذا كان العالم يعرف تاريخ الزلازل، فإنه لا ولن يعرف زلازل التاريخ" - أحمد بن النعمان الكعبي

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

في قصر الحمراء، وعلى جدارياته، توجد كتابات منقوشة ومحفورة على الجدران، أغلبها ليست للملوك، كما يظنُّ البعض، بل لشعرائهم في القصر، وحُجَّابهم ووزرائهم ورؤساء البلاط هناك، وهي نصوص في غالبيتها عبارة عن مديح للملك وتاجه وحسن خلقه، وما يجلس عليه من أثاث، ثم الدعاء له، إضافة إلى تلك القصائد التي تعبر عن بهجة الانتصار بعد الحرب، مروراً بوصف عجائب القصر وإبداعه الفني المعماري المتمثل في أخشابه وجصه وسقفه المشغول والجدران المزينة والحديقة الغناء ونافورتها المميزة، انتهاءً بوصف الجواري، إلى آخر تلك القصائد التي لم تعد تنشد الآن على الألسنة، لرتابتها.

ومن أهم الشعراء الذين تذكروا الحمراء شعرا: الشاعر ابن زمرك، وهو أحد وزراء بني الأحمر، وقد تخلد شعره على جدران القصر، ومعروف تاريخيًّا بأنه كان تلميذا للسان الدين ابن الخطيب صاحب القصيدة الشهيرة:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل.. بالأندلس

وأمير الشعراء أحمد شوقي له قصيدة مُعبِّرة حافلة بالشوق إلى ديار الكنانة والنيل؛ حيث يُرسل من منفاه الإسباني قصيدته الرائعة "أندلسية"، وأقتبس منها هذه الأبيات:

ساةُ جسمِكَ شتَّى حين تطلبهم

فمَنْ لروحك بالنُّطْس المُدَاوينا؟

آها لنا نازِحَيْ أَيْكٍ بأَندَلُسٍ

وإِن حَلَلْنَا رفيفًا من رَوَابينا!

رسْمٌ وقفنا على رَسْمِ الوفاء له

نَجيش بالدَّمع، والإِجلالُ يَثنينا

لِفِتْيَةٍ لا تنال الأرضُ أَدمُعَهم

ولا مَفارقَهم إِلاَّ مُصَلِّينا..

لولم يسودوا بدينٍ فيه مَنْبَهةٌ

للناسِ؛ كانت لهم أَخلاقُهم دينا..

لم نَسْرِ من حرَمٍ إِلاَّ إِلى حَرَم

كالخمر من (بابلٍ) سارت (لدارينا)

وفي قصيدة شوقي، وأيضا قصائد كثيرة غيرها، يكاد يكون عنصر الشوق هو الأبرز، وتأرجحاته ما بين شوق للماضي وأيام بني أمية، إلى أنْ نصل إلى من أصبح منفيا بتلك الديار، وانتقل شوقه إلى دياره المنفي منها؛ إذ نتحصل على القاسم المشترك للمشاعر الإنسانية المشتركة بين كل من ينظم القصيدة بالأندلس أو من الأندلس؛ إذ نجد كما أسلفت القاسم المشترك واحدًا وهو الشوق.

متابعات القراءة ستستمر، ومراكز التتبع لكل مهم في تاريخ هذه الدولة المهمة تاريخيًّا ستكون منشغلة برصد كل ما هو جدير، ورصف الحقيقة المطلوبة، ووصف تحليلها، من حيث التأريخ الشعري لهذه الخاصية، إذ إنَّ الشاعر بشكل عام يلفت انتباهه أية ومضة ترمُز لحقيقة متوائمة والحراك الذهني؛ حيث تتحرك متنبهات الذهن لتتركز على مقتضيات الفكر التاريخي المنسجم أدبيًّا مع المشاعر، حيث تتكون خلطة تاريخية أدبية تُعنى بأبجديات الشعر، ومذاكرات التاريخ.

وقصر الحمراء ليس غريبًا عن الشعر، بل هو والشعر صِنوان؛ حيث تعج أسوار الحمراء بنقوش الخط العربي النسخ والكوفي، والتي لا نقرأ فقط من بينها جملة "ولا غالب إلا الله" (هذه الجملة التي تُنسب إلى زاوي بن زيري مؤسس السلالة النصرية)؛ إلا أنَّنا يُمكننا أيضا قراءة قصائد لثلاثة شعراء من البلاط الملكي بغرناطة وهم ابن الجياب (1274-1349)، وابن الخطيب (1313-1375) وابن زمرك (1333 -1393)، وقد كانوا حُجَّابًا للملك ورؤساء وزرائه.. ويعد ابن زمرك -من بينهم- ألمع شعراء الحمراء.