هل هذه هي الحكومة الرقمية؟

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

انتهجتْ دول العالم المختلفة مبدأ الحكومات الذكية عن طريق التحول الرقمي وتقديم الخدمات بكل سهولة ويسر للمواطنين والزوار؛ بحيث تلتزم تلك الحكومات الرقمية بأداء أكبر نسبة من الشفافية؛ فالنظام الرقمي مبنيٌّ على أسس غير حسية؛ مما يعني غير عاطفية، وبذلك فهي تتعامل مع كل مستخدم كرقم مجرد فقط، وفق قالب موضوع سلفاً؛ وبذلك تحقق الشفافية المطلقة، وتنجز العمل في وقت قياسي.

فعلى سبيل المثال: تطبيق الحكومة الذكية في اليابان يختلف عن أي دولة أخرى؛ وذلك يعود لثقافة اليابانيين في الانسياق للنظم، وخلو حكوماتهم من أعضاء لا يجيدون أبجديات الحاسب الألي وتطبيقات الهاتف الذكي؛ لذلك لا توجد الكثير من الإشكاليات في تقديم الخدمات المقرونة بالعلامة الكاملة للشفافية، وكنتيجة حتمية لذلك فاليابان التي لا تمتلك أي موارد طبيعية كالنفط والمعادن، وتعيش في جزر قصية تعصف بها الأعاصير والفيضانات وتهزها الزلازل ليل نهار هي اليوم ثاني أقوى اقتصاد في العالم؛ فهناك لا توجد محسوبيات ولا يمكن لمتنفذ أن يقتطع لنفسه مساحات كيلومترية، ومن ثم يطل علينا في التلفاز ليحدثنا عن الشفافية والوطنية.

الحكومة الرقمية ليست عبر توزيع خطب الجمعة يوم الثلاثاء عن طريق الوتساب؛ فهذا فهم خاطئ للعالم الرقمي؛ فمن حصل على نص الخطبة قبل الجمعة سيذهب إلى الجامع لأجل أداء الصلاة؛ فالعظة قد وصلت قبل حلها، وكذلك الأئمة ستجدهم يتسلمون ذلك المعلَّب شبه الرقمي، ويتلونه دون رحمة ومن غير النظر لوجوه المصلين. والحكومة الرقمية ليست عبر تسجيل حملات الحج ولا عبر تطبيق الزكاة الذي لا يجمع من الأغنياء ما هو مستحق عليهم لإخوانهم الفقراء، فعندما تكون الأوقاف رقمية ستعلمها وزارة المالية كم مقدار الأموال التي يملكها الأغنياء، وستحصل على أموال أكبر وستوزعها على المستحقين، ولا نبالغ إذا قلنا بأنَّ الزكاة كفيلة بحل أكبر المعضلات في البلد اليوم.

الحكومة الرقمية ليست في اختراع طرق لتحصيل الضرائب من الإنسان البسيط، فليس عدلاً أن تبحث عن جذب الاستثمار الخارجي ومنحه جميع التسهيلات، في ظل إغراق الداخل بكومة من الإجراءات والضرائب المعقدة، وأن يُصبح أملنا في الوطن هو العمل كإجراء عند مستثمري الخارج. ولا يمكن الحديث عن الرقمنة الاقتصادية الحديثة بلغة بائدة لا تتعرف عليها الأجهزة الحديثة، لقد فشلنا في فهمكم ولم نعد نستطيع مجاراتكم في نفس النص القديم؛ لذلك تنعتوننا بالخائبين لأننا لم نلتحق بركبكم، عودوا إلينا فقد تهنا في دروبكم ولم نعد نفهم لغة الحكومة الرقمية وأهدافها. 

إذا تم الحديث عن الحكومة الرقمية فالكل يشيد بالشوط الذي قطعته شرطة عمان السلطانية، وفي المجمل ستجد أن التحصيل هو الهدف الأسمى؛ فلا يمكن أن تجدد سيارتك الشخصية دون تجديد أي مركبة باسمك ودفع جميع المخالفات على جميع السيارات والمعدات التي تملك في ظل الانتشار الواسع لأجهزة ضبط السرعة، ولا سبيل غير الدفع الرقمي باستخدام بطاقة البنك، والأمر ذاته في جميع الخدمات الأخرى المقدمة؛ فالدفع أولاً وتصفية السجل ثانياً، ومن ثمَّ عليك الاحتفال ببطاقة تجديد سيارتك؛ فهذه هي الرقمنة المنشودة على ما يبدو. ومع ذلك، لا بد من الإشادة ببعض الخدمات الأخرى كمنح التأشيرات وتسهيل اجراءات القدوم للسلطنة، وتوسيع نطاق دائرة الدول التي يمكنها الحصول على تلك التسهيلات.

الرقمنة ليست لعصر المواطن، بل لتسهيل إجراءاته؛ فعندما أستطيع إنجاز جميع معاملاتي من هاتفي الذكي ابتداءً من بيانات أبنائي في المدرسة وإلى سجلاتي الصحية والحصول على جميع الشهادات المطلوبة من جهة عملي أو من السجل الأكاديمي...إلخ. الرقمنة ليست رسالة نصية تنبئني بأنَّ لدى موعدًا في العيادة الفلانية داخل المجمع الصحي الفلاني، ولا عبر ولُوجي المعقد للبوابة التعليمية لمعرفة سجل ابني التحصيلي، ولا عبر الرسالة النصية التي تصلني من جهة عملي لتُخبرني أن راتبي نزل، هذه ليست حكومة رقمية، بل خدمات بسيطة حصل عليها الناس منذ عشرات السنين في العالم الغربي.