ندرة المياه العربية وشحها

عبيدلي العبيدلي

 

في قسم التكنولوجيا، من صفحة سي إن إن ((CNNعلى الإنترنت، كتبت ياسمين عواجه، تقريرا إخباريا تحت عنوان " هل حل ندرة المياه بالشرق الأوسط على يد هذه الشركة الناشئة"؟

ورغم التغطية الجيدة للموضوع، لكن عنوانه حمل شيئا من الاستفزاز لقارئه. فهناك فرض معلومة ليست دقيقة بشأن "ندرة المياه في الشرق الأوسط، وشح مصادرها"، تعززها بعض التقارير التي تروج لمقولة شح المياه في هذه المنطقة، وتحديد البلاد العربية منها. فقد جاء في تقرير صادر عن البنك الدولي، ورد في المقال، ونُشر في العام 2018، "أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتضن 1% من موارد المياه العذبة في العالم، وذلك رغم احتوائها على 6% من سكان العالم".

وتذهب بعض التقارير إلى اعتبار "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم التي تعاني من أزمة شح المياه. وتقع 17 دولة فيها تحت خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة".

ليس هناك من ينكر أن هناك أزمة في كمية المياه المتوفرة في المنطقة العربية، لكن هناك فرق بين شح الموارد من جانب، ونهبها من الغير أو سوء استخدامها من جانب آخر. فسبب أزمة المياه العربية ليست في شح الموارد المياه، ولكنها تنبع من مجموعة من العوامل، الأهم بينها هي:

1.           استيلاء قوى خارجية، بطرق غير شرعية على مصادر المياه. كما هو الحال مع الكيان الصهيوني. فقد كشفت العديد الدراسات أن اليهود قبل إقامتهم كيانها الغاصب، سارعوا إلى بناء "مجموعة من المشروعات المائية تؤشر إلى اهتمام مبكر بقضية المياه، مثل تجفيف بحيرة الحولة، ومشروع روتنبرغ لاستخدام مياه نهري الأردن واليرموك عام 1927، ومشروع يونيديدس عام 1938 لدراسة المياه في فلسطين، ومشروع لادور ميلك عام 1944 لدراسة الموارد المائية في فلسطين وإمكانية استخدامها، ومشروع هيز عام 1946. وبعد عام 1948 أُعدّت دراسات ومشاريع لاقتسام وتنظيم استخدام نهر الأردن وحوضه أهمها مشروع جونستون عام 1955، وقامت (إسرائيل) بنقل جزء كبير من مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب، وهي تقوم الآن بسرقة مياه قطاع غزة عبر أنابيب توصيل وتنقلها إلى منطقة بئر السبع. ومشروع كونون الذي جاء في أعقاب الاعتراض على مشروع جونستون". ولا يكتفي العدو الصهيوني بما تقوم به تلك المشروعات من نهب غير مشروع للمياه العربية، بل يذهب إلى ما هو أسوأ من ذلك، فقد أكد تقرير نشره البنك الدولي، أن "إسرائيل تسرق حوالي 80% من كمية المياه الجوفية، المشتركة في الضفة الغربية المحتلة. وإن الإسرائيليين يستهلكون نحو (240) متراً مكعباً من الماء للفرد سنوياً، مقابل (75) متراً مكعباً للفرد بالضفة الغربية، و(125) مترًا مكعباً للفرد من سكان غزة. وفي بعض مناطق الضفة الغربية، يعيش فلسطينيون على كمية صغيرة تتراوح بين (10) إلى (15) لتراً من الماء للفرد يوميّاً".

2.           قيام دول غير عربية مثل تركيا، بشكل منفرد بالاستحواذ على كميات كبيرة من مياه عربية، بما يخدم مصالحها، دون أخذ المصالح العربية بعين الاعتبار. فقد كشف العديد من الدراسات "رفض سوريا والعراق والسعودية ودول الخليج في الثمانينات من القرن الماضي عرضا تركيا بتعويض ما أقدمت عليه من الاستحواذ على نصيب كبير من مياه الفرات.... ومن مياه نهري سيجان وجيجان من وسط تركيا إلى البلاد العربية".

3.           هناك مياه نهر النيل أيضا، فمن المعروف "أنه عندما فشلت اسرائيل في الحصول على موافقة المصريين لتحويل جزء من مياه النيل (ضمن إطار كامب ديفيد) حولت أنظارها إلى اثيوبيا. وقد بدأ المهندسون الاسرائيليون في بناء ثلاثة سدود على نهر أبا، وهو أحد روافد نهر النيل، ومن الواضح أن الهدف المعلن من هذه السدود هو تحسين الزراعة والري في اثيوبيا، ولكن عندما يكتمل البناء فإن هذه السدود ستمكن اثيوبيا من استقطاع كميات كبيرة من المياه المتجهة إلى مصر والسودان"، الأمر الذي من شأنه مواجهة كل من مصر والسودان لأزمة مياه تهدد أمنهما القومي من جهة، وتحد من التوسع في المشروعات الزراعية من جهة ثانية.

تنهي عواجه مقالتها بالحديث عن شركة "ديسولينايتور(Desolenator) البريطانية التي تعتمد على الطاقة الشمسية، من أجل حل ما وصفه بأنه مشكلة ندرة المياه في المنطقة العربية. وتهدف الشركة، (كما ورد في المقالة) إلى توسيع مجال تحلية المياه المنخفض التكلفة والمستدام في الوقت ذاته، وذلك عبر تحويل مياه البحر والمياه الملوثة إلى مياه شرب عالية الجودة باستخدام الطاقة الشمسية 100%.

ليس هناك ما يمنع الاستفادة من الخبرات الأجنبية، كما هو حال الاتفاق المزمع عقده مع شركة ديسولينايتور البريطاني، لكن، وكما متعارف عليه، أن التصدي لحل مشكلات الأزمة المائية، بخلاف حلول الأزمات الأخرى، له أبعاد سياسية، تصل إلى المستوى الاستراتيجي، ومن ثم فمن الخطأ الاعتماد على من هو أجنبي.  إذ يتطلب قرار التصدي لتحديات المياه الموازنة الدقيقة بين الاستجابة الفورية للاحتياجات الأساسية للناس، وتبني سياسة طويلة المدى تسعى إلى بناء القدرة الذاتية التي حل مشكلة المياه دون التفريط في الأمن القومي. 

لكننا حتى، في حالة غض الطرف عن ذلك، فلابد ان يباشر العرب في الاستثمار في وضع سياسات طويلة المدى، تقوم على الحلول المبتكرة التي تستخدم التكنولوجيا بشكل مبدع، من أجل الوصول إلى وضع حد نهائي ومجد لهذه المشكلة.

ومن الخطأ حصر تلك السياسات في إطار تقني محظ، فكما هو واضح مما أشرنا له أعلاه، تتداخل المشكلة المائية، بشكل متشابك ومباشر، ومعقد، مع الصراعات القائمة في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع مع الكيان الصهيوني. وهذا من شأنه إضافة تعقيدات أخرة للمشكلة التي نعود كي نؤكد أن مصدرها ليس شحة الموارد، ولا نقصها، بل نابع من طبيعة تلك الصراعات أولا، وسوء الاستهلاك العربي لتلك الموارد ثانيا، وعدم معالجتها بحلول مبدعة وخلاقة ثالثا وليس أخيرا.

وفوق هذا وذاك لم تنعدم القدرات العربي الذاتية، كي نستعين بجهات خارجية.