زئير قط ومواء أسد!

 

صبرى الموجى| برلين

صحفي بجريدة الأهرام المصرية

 

لم أتجاوز العاشرة من عمري وقتما زرتها أول مرة، فراعني جمالها الخلاب..  أشجار مورقة مُتصافحة الأغصان، خُضرة تحيطنا من كل مكان، طرقات نظيفة مُمهدة، بحيرات صافية، مساكن لإيواء الحيوانات لم تغفل عنها أعين عمال النظافة، غزلانٌ صغيرة تلهو وتمرح، قردة تصرخ وتقفز، تتصارع على التقاط السودانى وثمرات الموز يُلقيها المتفرجون، أسودٌ تزأر فيخيم السكون حول أقفاصها فزعا وخوفا،  فرسٌ فى النهر يسبح ويتراقص ويقفز مُلتهما الحشائش،  زرافة تقترب من الأطفال خارج السور الحديدي وتعبره برقبتها الطويلة لتلتهم الخس والجزر، نمور وفهود تتسم بخفة الحركة والنشاط، طيور مختلفة الأشكال والألوان، تُشعرك بأنك فى إحدى الجنان، خيول صغيرة يمتطيها الصغار فتكاد أرجلهم تلامس الأرض فيضحكون ملء الأفواه، فيلة تتبختر، نقدم لها الخس والجزر والبرسيم فتأخذه بخراطيمها الطويلة وتلقى بها فى فمها، سبع للبحر نحسبه من بعيد جزيرة وسط البحيرة ولما نقترب فإذا به حيوان ينبض بالحياة، حركة أشبه بخلية النحل، حلقات من البشر تجلس فى ظل الأشجار تفترش (النجيلة) تتناول وجبة الغداء، لعب ومرح، ضحكات من القلب، بيع وشراء، كازينوهات مزدحمة، حيوانات تتسم بالحيوية والنضارة .. كانت هذه حديقة الحيوان بالجيزة وقتما كنا صغارا !

ولكن ـ وآآآه من لكن ـ حلت علي هذه الحديقة التى كانت ضمن أجمل حدائق الحيوان فى العالم عدوى الإهمال فشوهت جمالها، وتركتنا نتحسر على أيام زماااان.

فتساقطت أوراق أشجارها، وتخاصمت غصونها، دبت الأكلة فى جذوعها، اصفرت ( نجيلة ) رياضها، تكسرت طرقاتها، تهدمت مساكن إيواء الحيوانات، التى مات معظمها إما جوعا أو اكتئابا، حل الهوان والضعف بملك الغابة فضمر بطنه بعدما ألهبه الجوع، واستبيح حماه ولم يعد يزأر خشية أن يُثير أحد (القطط السمان) خارج الغابة فيأتى ويفترسه، بلغت السن بالفيل مبلغها فلم يعد يقوى على الحركة، وخيم سواد الضعف عليه فأضحى شبحا مخيفا، واستمرت حاله في التردي من سيئ إلي أسوأ، حتي فجع زوار الحديقة بموته مؤخرا، مات فرس النهر غرقا،  بعدما عجز عن السباحة فى بحيرات قذرة،  حالة من الاكتئاب أصابت الزرافة بليل فأصبح الصبح وإذا هى جثة هامدة، انتفخ فى وجه إنسان الغاب ورم ولم يجد طبيبا يعالجه، ماتت الطيور والبجع وتشوه ريش الطاووس متعدد الألوان، فأضحت (الطاووسة) أجمل منه!

اختفت الخيول الصغيرة والجمل ذو السنامين، أصيبت النمور بلوثة وضعف، جف ماء برك الدببة وأصابها الجرب، انمحى بيت الزواحف، وصار أثرا بعد عين، وماتت التماسيح، خلت (الكازينوهات) من المرتادين، لم يعد لحلق البشر تحت الأشجار وجود، أغلقت جبلاية (الأحبة) بأبواب من حديد فاختفت الرومانسية، نزل الخراب بكل مكان فى حديقة الحيوان فأحجم عن ارتيادها الزوار؛ حزنا على حالها وما آلت إليه من خراب بعد نضارة وعِزّ..  فهل سننتبه لهذا المعلم السياحى أم سنتركه على تلك الحال السيئة، ونظل نبكى على أيام زمان!

تعليق عبر الفيس بوك