"كأس الخليج".. ولِدت لتبقى

أحمد السلماني

تسُود المنطقة الخليجية هذه الأيام حالة من النشوة والسعادة العارمة، خاصة بعد تلقي النبأ المفاجئ بموافقة المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، على تلبية دعوة اتحاد كأس الخليج بالمشاركة في العرس الخليجي، وعدولها عن قرارها السابق بعدم المشاركة في "خليجي 24" بالدوحة، ليكتمل عقد المنتخبات الثمانية، وتعود الفرحة ليرتسما على شِفاه كل خليجي، لتمثل بادرة ربما تفضي لحل جذري ومفصلي للأزمة الخليجية؛ إذ إنَّ الرياضة دائما تُسهم في إصلاح ما تفسده السياسة، وهناك من المؤرخين المعاصرين والكتاب من تحدث عن أن "كأس الخليج" كانت واحدة من أهم أسباب قيام مجلس التعاون الخليجي.

المصادر التاريخية تتحدث عن أن الفكرة سعودية عن طريق الأمير خالد الفيصل، إلا أنَّ البحرين تحدثت عن أن الفكرة بحرينية، تحدث عنها الوفد البحريني برئاسة الشيخ محمد بن خليفة لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم العام 1968. إلا أنَّ صحيفة "النهار الكويتية" فجَّرت مفاجأة من العيار الثقيل بالتأكيد على أن فكرة إقامة كأس الخليج جاءت عبر مقال كتبه الإعلامي الرياضي الكويتي الراحل عبدالله العوضي، في صحيفة "الرأي العام الكويتية" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الثالث من مارس عام 1962، وعُرضت نسخة منه، فيما أظهر الأمير خالد الفيصل الذي كان يشغل منصب رئيس اتحاد الكرة السعودي قبل 8 أعوام وثيقة رسمية تعود للعام 1968 فيها توقيع الشيخ محمد بن خليفة على أنَّ الفكرة نابعة من الأمير خالد الفيصل، وأنه فقط من تبناها بطلب تنظيم النسخة الأولى في البحرين عام 1970.

الأهم من هذا كله أنَّ صاحب الفكرة كان يحمل في ثنايا صدره حبًّا عظيمًا لجغرافيا مُحدَّدة من الكرة الأرضية تعيش بها شعوب تجمع بينهم أواصر القربى والدين واللغة والعادات والتقاليد والموروثات، وأشياء لا تسعها هذه السطور وتتجاوز حدود كل ذلك إلى مشاعر وشجون يحملها أبناء دول الخليج بمن فيهم عراق الحضارات ويمن الأصالة لبعضهم البعض جميعا، بل إنها تجاوزت حدود المنافسة والفوز بالألقاب إلى كونها برلمان مفتوح يجمع الشعوب الخليجية في  فسيفساء اجتماعية قل نظيرها، والحقيقة الماثلة منذ عقود -والتي تجبر العالم والساسة في المنطقة على احترام هذه البطولة دون غيرها- أنها باتت إرثًا لأبناء المنطقة، متشبثين به ولا يتنازلون عنه بسهولة، وعلى الطيف السياسي تكييف أطره ودهاليزه باتجاه الوحدوية لا سواها؛ فالإنسان عزيز بإخوانه، والأعواد إن تجمعت يصعب كسرها.

واليوم.. وبعد أن اكتملت دُرَر العقد الخليجي الثمين، كل الأماني أن تترجم تطلعات الشعوب الخليجية ورسالة وأهداف "كأس الخليج" إلى واقع حقيقي وملموس من حيث تلاحم وانصهار الوفود الخليجية، ومعها الجماهير، في بوتقة واحدة، لنُعلنها صراحةً للعالم بأسره بأن المنطقة وحكامها وشعوبها هم لُحمة واحدة، وأن لا نرى مشاهد الفرقة والتشرذم، بل مشاهد الإلفة في الملعب والفندق والمركز الإعلامي والسوق والشارع.. "كأس الخليج" كنزٌ أثريٌّ ثمين، فاتركوه لنا ولا تمسُّوه بسوء.