"فايننشال تايمز": الفضاء "ساحة الحروب المستقبلية" مع اشتعال سباق تسلح الأقمار الصناعية

ترجمة- رنا عبدالحكيم

بعد نصف قرن من الهبوط الأول على القمر، انتقل الصراع الجيوسياسي فجأة إلى الفضاء في النرويج؛ إذ تخطط الدولة الاسكندنافية لإطلاق قمرين صناعيين في عام 2022 لتحقيق تغطية قوية للنطاق العريض إلى شمالها المتجمد الاستراتيجي.

وكانت الأقمار الصناعية ذات يوم قادرة على التجول بحرية دون خوف من التدخل، لكن لم يعد الأمر كذلك لأن القوى العظمى تناضل من أجل التفوق في الفضاء.

ونتيجة لذلك، تتخذ النرويج تدابير دفاعية غير معلنة. ويمكن أن تشمل هذه التقنيات المضادة للتشويش ومكافحة الإشعاع وكذلك أنظمة جديدة أخرى لحماية أقمارها الصناعية.

يقول الكولونيل ستيج نيلسون، رئيس برنامج الفضاء التابع لوزارة الدفاع للنرويج، وهو عضو في حلف الناتو على الحدود مع روسيا: "لم نفكر في الأمر من قبل، لكن قضية الأمن أصبحت الآن في الفضاء... إنها معضلة فكلما زاد اعتمادك على التكنولوجيا، زادت حاجتك لإبداء المرونة، وبالتالي فإن التكنولوجيا لا يجب أن تتحول إلى كعب أخيل"، (في إشارة منه ألا تكون التكنولوجيا نقطة ضعف مميتة.

ولطالما كان الفضاء منتدى للمنافسة الجيوسياسية، لكن في السنوات القليلة الماضية أصبح رمزا لنظام دولي هش؛ حيث تبحث دول حازمة مثل الصين وروسيا عن طرق جديدة لتحدي الهيمنة العسكرية الأمريكية.

ووفقًا لتقرير نشرته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية هذا العام، كانت بندقية الانطلاق اختبارا للصين في عام 2007 عبر صاروخ مضاد للأقمار الصناعية، والذي دفع مسألة سلامة الأقمار الصناعية إلى قمة جدول الأعمال العسكري. وتطور سباق التسلح الناشئ ليشمل تطوير الحرب الإلكترونية وأسلحة الطاقة الموجهة والاعتداءات الإلكترونية.

وعلى مدى العقد الماضي، عززت الجيوش بشكل متزايد امتلاكها للأقمار الصناعية لمراقبة تحركات القوات، واكتشاف إطلاق الصواريخ وتنظيم الاتصالات في ساحة المعركة. لكن هذه الأقمار الصناعية نفسها أصبحت أكثر عرضة للهجوم أو الإخلال بالخصوم.

وأطلق حلف الناتو أول سياسة فضائية له على الإطلاق هذا العام، ويقول دبلوماسيون من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي إن هناك فرصة جيدة لاجتماع القادة في لندن في ديسمبر المقبل لإعلان أن الفضاء هو "مجال" للعمليات. ومن شأن ذلك أن يمنحها نفس المكانة مثل الأرض والبحر والجو والفضاء الإلكتروني؛ حيث سيؤدي الهجوم على بلد ما إلى رد فعل جماعي كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

ويقول برايان ويدن خبير الفضاء في مؤسسة سيكيور وورلد، إن التشويش على الأقمار الصناعية أصبح في متناول جماعات مسلحة مثل داعش، و"سنرى بالتأكيد أن الفضاء يلعب دوراً في النزاعات المستقبلية على الأرض.. من السهل القيام به، إنه رخيص نسبياً".

وزادت أهمية الفضاء؛ حيث أصبحت المجتمعات أكثر اعتمادًا على الإشارات الموجهة من خلال مجموعات من الأقمار الصناعية الحكومية والتجارية. وهناك مجموعة من الاستخدامات من الترفيه إلى الملاحة. لكنها أيضا أساسية في العمليات العسكرية. يقول الجنرال بن هودجز القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا: "كل شيء نعتمد عليه  النشر السريع، وتبادل المعلومات، وصور بحر البلطيق والبحر الأسود لكل هذه لها منصات فضائية".

ونمت المناوشات بين البلدان المتنافسة حيث أصبحت وسائل التدخل في البنية التحتية الفضائية أكثر تطورًا. وفي العام الماضي، اتهم فلورنس بارلي وزير الدفاع الفرنسي، روسيا بالتجسس عندما قامت بمناورة مركبة للتنصت على قمر صناعي للاتصالات العسكرية الفرنسية الإيطالية يسمى أثينا فيدوس في عام 2017، وهو ادعاء نفاه الكرملين.

إنه مؤشر على عدم وجود تنظيم في منطقة لا يملكها أحد ولا يزال يحكمها إلى حد كبير المبادئ العامة المنصوص عليها لأول مرة في معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. تقول المادة 1 "استكشاف الفضاء الخارجي واستخدامه، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى... يجب أن تكون للبشرية جمعاء". لكن التقييد الصريح الوحيد على استخدام الأسلحة خارج الغلاف الجوي للأرض هو فرض حظر على الأسلحة النووية.

وفي حالة الصين، أعطى الرئيس شي جين بينغ الأولوية لبرنامج الفضاء في بكين وسرعته، والذي شمل الهبوط الأول على الجانب الآخر من القمر في العام الماضي. حققت بكين حتى إطلاقات صاروخية أكثر من الولايات المتحدة العام الماضي - 38 مقابل 34 - على الرغم من أنها لا تزال متخلفة عن قوة الصواريخ الأمريكية. وضعت القيادة الصينية أهدافًا أكثر طموحًا في محاولة لتصبح "قوة فضائية شاملة" بحلول عام 2030. وتهدف إلى استكمال نظامها العالمي للملاحة الفضائية بيدو بحلول عام 2020، ومحطة فضائية تعمل بحلول عام 2025، ومحطة أبحاث دائمة على القمر بحلول عام 2035.

وتستثمر فرنسا ودول أوروبية أخرى بما فيها ألمانيا وإيطاليا في مجال الفضاء. ويشمل هذا الرادارات عالية الوضوح لمراقبة الأجسام في الفضاء، وأنظمة البرمجيات لدمج وإدارة البيانات، والدفاع الإلكتروني للمحطات الأرضية والأقمار الصناعية والاتصالات ذات الصلة.

ويحذر وانغ يوي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين، من أنه لا يتم عمل ما يكفي للحيلولة دون تحول الفضاء إلى "ساحة المعركة التالية". ويضيف وانغ: "لقد أصدرت الصين وروسيا عدة بيانات حول قواعد الفضاء، لكن هذا ليس كافيًا. في المستقبل يجب أن يكون لدينا نوع من قواعد السلوك، كما هو الحال في بحر الصين الجنوبي".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة