"الصحافة الموثوقة".. مبادرة عالمية جديدة لمنع الأخبار المزيفة والكاذبة

مقال منشور في مجلة فورين بوليسي الأمريكية بقلم كريستوف ديلوار الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود.

ترجمة- رنا عبدالحكيم

بدون اللوائح التي تدفع محركات البحث وشركات التواصل الاجتماعي إلى إعطاء الأولوية لمصادر موثوقة وصادقة للمعلومات، ستهيمن الدعاية والمحتوى الخاضع للرقابة على المنصات الرقمية.

ففي شهر سبتمبر، كشفت صحيفة جارديان البريطانية عن قواعد استخدام منصة TikTok، وهي منصة فيديو صينية يستخدمها مئات الملايين من الشباب في جميع أنحاء العالم.

وأوضحت الصحيفة كيف أن المنصة المملوكة للصين تحظر "النقد أو الهجوم على السياسات والقواعد الاجتماعية لأي بلد، مثل الملكية الدستورية والملكية والنظام البرلماني وفصل السلطات ونظام الاشتراكية... إلخ"، إضافة إلى "القادة الأجانب أو الشخصيات الحساسة"، بما في ذلك الزعماء السابقين والحاليين لكوريا الشمالية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الكوري الجنوبي السابق بارك كون هيه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن الأحداث التاريخية المحظورة، بما في ذلك حملة ميدان تيانانمن في عام 1989 وأعمال الشغب التي اندلعت في إندونيسيا في مايو 1998 والإبادة الجماعية في كمبوديا.

ومع تزايد سيطرة الاحتكارات والأنظمة الاستبدادية ليس فقط على المعلومات التي يتم تبادلها ولكن كيف يتم مشاركتها، فمن الأهمية بمكان أن تؤكد الديمقراطيات على مبادئ تضمن للمواطنين الحق في حرية الرأي، استنادًا إلى معلومات موثوقة ومن مصادر تعددية، دون تحيز خوارزميات البحث الإلكتروني أو تحيز سياسي أو ديني.

وفي أكتوبر الماضي، استخدم مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك حرية التعبير كحجة لمقارنة قيم فيسبوك مع رؤية الصين، داعياً إلى لوائح لا تقوض حرية التعبير وحقوق الإنسان. المشكلة هي أنه يدافع عن نظام يشهد تنافسا مباشرا وغير عادل بين أنواع مختلفة من المحتوى والدعاية والإعلانات والشائعات والحقائق التي تم التحقق منها. ولا تأخذ "عقيدة زوكربيرج" في الاعتبار ضرورة تعزيز التعددية والثقة في الأخبار والمعلومات من خلال الآليات المناسبة لضمان حرية الرأي.

ويتطلب النقاش الديمقراطي التحقق واستقلال السياسات التحريرية. ويتعين على فيسبوك وتويتر وجوجل- الشركات التي تتمتع بقوة أكبر من معظم البلدان عندما يتعلق الأمر بنشر المعلومات- إعادة تقييم الأنظمة التي وضعتها.

هذه القضايا تتجاوز قدرة أي حكومة، ومع وضع ذلك في الاعتبار، ففي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر الماضي، اتخذت 30 دولة خطوة كبيرة نحو إنشاء هيئة جديدة يمكن أن تعمل كضامن لمثل هذا الحق؛ حيث وقعت المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا وكوريا الجنوبية وكندا وتونس و24 دولة أخرى على الشراكة الدولية للمعلومات والديمقراطية.

وتعتمد هذه المبادرة على عمل منظمة "مراسلون بلا حدود"، المعروفين بالاختصار الفرنسي RSF، وشركائها بما في ذلك الحائزة على جائزة نوبل الإيرانية شيرين عبادي، وخبيري الاقتصاد جوزيف ستيجليتز وأمارتيا سين، والعديد من المثقفين والناشطين والصحفيين. وهذه الشراكة هي آخر خطوة في الاتجاه نحو منتدى المعلومات والديمقراطية، وهي هيئة دولية جديدة لمعالجة أزمة المعلومات بشكل مباشر.

ولا يمثل المنتدى محاولة "لإعادة الجِني إلى قُمقُمِه"- في إشارة لصعوبة إلغاء الوضع الحالي بالكامل- لكنه محاولة لفرض ضمانات ديمقراطية على منصات المعلومات والاتصالات الرقمية. والهدف هو منع انهيار فكرة الحقيقة الموضوعية والرأي المستنير، والتي شكلت أساس الديمقراطية في العصر الحديث. وبنفس الطريقة التي توافق جميع البلدان تقريبًا على تنظيم معايير المياه للحفاظ على مياه الشرب لمواطنيها بأمان، يحتاج الناس في جميع أنحاء العالم إلى ذلك في نظام المعلومات البيئي.

وستتم قيادة هذا الكيان الجديد وتحكمه المنظمات غير الحكومية لتفادي الانقضاض عليه من قبل المصالح التجارية أو السياسية كما تتولى مهمة إصدار التوصيات للحكومات والمنصات الإلكترونية. وسيقوم الخبراء المستقلون بعد ذلك بمراقبة التغييرات التي تجريها المنصات، مما يضمن اتخاذ خطوات ملموسة للتحرك نحو معايير أعلى. وسيكون للتقييمات المقدمة من هذه الهيئة الجديدة شرعية وذي تأثير مكافئ لتلك التي أجرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مجال السياسة البيئية. لكنها ستفعل أكثر من ذلك، حيث توفر مدخلات ملموسة لإعداد قواعد اللعبة.

ومن بين القضايا الأخرى، يهتم المنتدى بكيفية إعطاء الأولوية للنظام الإيكولوجي للوسائط للمعلومات "الجيدة" (التي تتصف بالموثوقية، والقابلية للتحقق، والاستقلالية) على المعلومات والدعاية "السيئة" (وهي المنصات المُستقطِبة والموجهة إلى جدول الأعمال والأخطاء الباطلة الصريحة). وهذا هو الهدف من مبادرة Trust Journalism، التي أطلقتها منظمة مراسلون بلا حدود، والتي تهدف إلى مكافأة وسائل الإعلام التي تحترم المعايير الصحفية الأساسية من خلال إنشاء عامل النزاهة في فهرسة الخوارزميات.

ومهما كانت حالتها أو علامتها التجارية، فإن مصادر الأخبار التي تفي بمعايير صارمة بشأن عمليات التحرير والشفافية تستحق ميزة عند فهرستها حسابيًا أو عندما يتخذ المعلنون خياراتهم.

وإذا لم تفرض الديمقراطيات مبادئها، فسوف تضعف من الداخل ومن الخارج. وإذا أراد مستهلكو الوسائط معلومات مجانية ومستقلة وموثوقة، فيجب عليهم الدفاع عمن ينتجونها. لكن هناك شرط مسبق وهو: أن قواعد اللعبة ليست تحريضًا على التلاعب أو الإشاعة.

إن هناك حاجة ملحة للخروج من غابة الفوضى المعلوماتية التي تهيمن عليها الحيوانات المفترسة الرقمية. ومع اشتراك الحكومات في التنظيم، بجانب الإشراف المستقل على ضمان حدوث تغييرات ملموسة، يمكن إجبار منصات مثل فيسبوك على القيام بعمل أفضل في تنسيق ما يقدمه للمستخدمين مع حمايتهم من الرقابة الحكومية.

تعليق عبر الفيس بوك