عن أيّ إسلام يتحدثون؟!

 

مسعود الحمداني

 

تمر القرون تلو القرون، والأعوام تلو الأعوام، ويحتفل المسلمون كل عام بمناسبتين عظيمتين عليهم: المولد النبوي، وهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى يثرب، ويتحدث في هاتين المناسبتين المتحدثون، ويخطب الخطباء، وتُقام الاحتفالات، ويُدبج الشعراء قصائدهم، ويتبادل الرؤساء برقيات التهاني بأن يعيدهما على المسلمين بالخير والبركات، ويعيد العلماء نفس الخطاب الديني، ويكررون نفس الكلام والحكايات.. ثم ماذا؟!!.. لا واقع يتغيّر، ولا حال يتبدّل، ولا شيء يُقال غير استعادة الذكريات!

يعيش المسلمون منذ أمد طويل حالة لا وعي، ولا صحو، يعانون من انفصام خطير في الشخصية، فهم بين شخصيتين: الشخصية المثالية العليا، والواقع العاجز عن صنع اليوم والمستقبل.. يتحدثون عن عدو وهمي، ويصنعون بطولات من ورق، يتوضأون خمس مرات في اليوم ولكنهم عاجزون عن تنظيف عقولهم، يصلّون ويصومون ويدعون إلى الخير والصلاح بينما يعيشون أسوأ حالات الفساد، يحلمون بتحرير القدس ويتعاونون في الخفاء والعلن مع "عدوّهم" الأزلي، ينهون عن المنكر ويمارسونه في حياتهم كجزء لا يتجزأ منهم، يدعون إلى الفضائل وهم يرتكبون أبشع الرذائل، ينادون بحقوق الإنسان وفي نفس الوقت يقتلون كل حيّ لا يؤمن بعقيدتهم، يدّعون أن الإسلام حرّر المرأة وهم يؤمنون يقيناً أنها مجرد مخلوق وُجد لمتعة الرجل!

ما الذي تغيّر منذ أكثر من 1400 عام عند المسلمين؟!

سادوا البلاد والعباد، ونشروا الإسلام في أصقاع الأرض، ولكنهم عجزوا عن تحرير عقول الناس من عادة الثأر، ولم يستطيعوا تحرير الإنسان من عبودية الرجل "الأبيض"، ولم يتجاوزوا عقلية القبيلة وفضيلة الدين التي ينادون بها ليل نهار، ولم يخرجوا من عباءة العقلية الذكورية، ولم يتحرروا من عقدة التفوّق العربي على "المجوس"، نشروا الدين بعباداته، لكنهم فشلوا في نشر مبادئ التسامح والتعايش والسلام.. وحين ضاقت الأرض على بعض الشعوب العربية خرجوا مُهاجرين إلى أرض "الكفار" هرباً من عدل الحاكم بأمر الله!

1400 عام أو تزيد والمسلمون منقسمون بين مذاهب تعتقد أنها سترى الله وأخرى تؤمن أنها لن تراه، ومذاهب تحمّل أجيالا متعاقبة ذنب من قتل الأولياء، وتريد الثأر من أموات تحت التراب! ومذاهب تعتقد بعصمة كل من مَرَّ على رسول الله حتى وإن كان ظالما واضح الضلالة والظلم، وأصبح كل مذهب يُقاتل لإلغاء الآخر، وتُدفع الأموال الطائلة والأنفس المضُلّلة التي تعتقد أنها تضحي من أجل الإسلام، فتفجّر مسجدا، وتحز رقبة مسلمة بأمر شيخٍ جليل مريض النفس والهوى، تفعل كل الشرور لكي تسود هذه الأفكار التي تعتقد أنها "الفرقة الناجية" وتقضي على آخر عِرق للمخالفين لفكرهم، والغريب في أمرهم أنهم يؤمنون بإله واحد، ورسول واحد، وقرآن واحد، وأركان أساسية واحدة، ويدعون إلى نفس الفضائل، وينبذون نفس الرذائل، ومع ذلك يقاتلون بعضهم البعض، ويستحلّون دماء بعضهم البعض، وينهشون لحوم بعضهم البعض، فأي انفصام يعيشه مثل هؤلاء وهم يحتفلون بمولد رسولهم ويدعون للوحدة والتمسّك بعُرى الإسلام التي فصلوها عن جسدها مع سبق الإصرار والترصد؟!

يحتفل المسلمون بمولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وبهجرته، بالخطب الرنانة، والكلمات العصماء، والدعوات بأن يعز الله الإسلام والمسلمين، ويرد كيد الكائدين والمتربصين بالدين في نحورهم، وتناسوا أنَّ عدوهم من أنفسهم لا من غيرهم، يحتفلون بالمناسبات الدينية وقد فصلوا الإسلام عن الناس، وحبسوه في زجاجة علماء الحكّام والمنتفعين به، وأغلقوا عليه في قمقم خطب الجمعة، وأصبح الدين تجارة رابحة، يُقتل الأبرياء باسمه، وتُسبى الحرائر المسلمات وغير المسلمات باسمه، ويُحكم باسمه، ويمارس الفساد والرذائل والسرقات والغش باسمه!

فبأي مناسبة يحتفلون؟ وعن أي إسلام يتحدثون؟!