أنا كنت في 2011.. أنت أين كنت؟

 

غسان الشهابي

كاتب بحريني

أعرف أن عدداً من الدول العربية صارت تمنع أن يأتي الكتاب والمحللون على ذكر العام 2011، وودّ البعض لو سمح التاريخ بدفن هذا العام ومحوه من الذاكرة، وذلك لما يجرّه مجرد ذكر هذا العام من سلسلة من الذكريات لا يود الكثيرون العودة إليها، ولكن لابد لنا من العودة بين الفينة والأخرى، لأنّ تجليات اليوم ما هي إلا بعض مما زرع أمس.

كثير من متفرجي اليوم، فاعلي الأمس (2011) على امتداد الوطن العربي، صاروا كثيري التنظير بشكل استعادي وعاطفي يملؤه الحنين كقدامى المحاربين الذين يروون لأحفادهم طرفاً من "البطولات" التي خاضوها في الحراكات التي نجحت، والأخرى التي فشلت في تحقيق مرادها، وكثر سؤالهم وتساؤلهم للمتفاعلين اليوم مع الحراكين العراقي واللبناني: أين كنتم في 2011؟ لماذا سكتم بالأمس عندما كان الحراك في داركم، وتحركتم اليوم لما صار عند جاركم؟

هذا السؤال الذي يتردد صداه في أرجاء دول عربية عديدة، قد يكون محقاً فيما لو تطابقت جميع الظروف، وجميع المعطيات، وجميع منطلقات الاحتجاجات، وجميع أهدافها، والقائمين عليها، فالمناصرة في موقف أو القعود عنه تحكمها عوامل متعددة.

فهناك من خرج لأسباب عرقية أو قبلية أو فئوية أو أيديولوجية أو طائفية، وقاد الجموع وتسيّد الموقف، فهل يعتقد أنه سيلقى مناصرة من الجميع حتى لو كانت المطالبات محقة؟ فالتجارب العربية إلى اليوم غير مبشّرة، مع وجود كمّ لا بأس به من انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين تسود الأجواء في الغالب، ولا يوجد فصيل "محترم" يود أن يقاد، بل يريد الشراكة الكاملة والحقيقية في أي حراك جماهيري، مساهماً في الطبخ، يتدخل في المقادير، وكمّ من البهارات التي سيضعها من ناحيته، وما النكهة الخاصة به التي يود إضفاءها على الأطباق، لا أن يكون مدعوّاً لطبق أعدّه غيره بلا حول منه ولا قوة.

كما أنّ النضال في البلد نفسه يحتاج – من ضمن ما يحتاج إليه – الشجاعة والقدرة على التضحية حتى لو بلغت مراحل عليا، وهذا الأمر قد يصعب على الكثير من الناس، ورأينا – كما سمعنا – عن قيادات فصيحة أثناء الرخاء، متأتئة وقت التوترات، خرساء عند الشدائد، وقد تتطلب القيادة، أو مجرد المشاركة: السجن والتعذيب والحرمان، وربما الموت، ولكن ما الذي يكلفه الدعم السيبراني عبر تغريدة أو إعادة نشر صورة لحراكات تبعد عن موقع الفرد آلاف الكيلومترات؟

لا أرى كثير معنى لما يقوم به البعض من جرد دفاتر المحاسبة لسواهم، فالقناعات والقدرات ليست دفاتر رياضيات.