نداءات المفاتيح: مفتاح ثان

مفيد خنسه | كاتب صحفي سوري

رئيس تحرير جريدة الثورة السورية السابق

 

ما اخترتُ عصفَ الريحِ كي أمتدَّ بينَ صواعقِ الأنسابِ في سفرِ القبائلِ والعشائرِ/ ما فرحتُ بأنني من أسرةِ الحكامِ في عصرِ الغوايةِ/ ما بكيتُ لأنني المستضعفُ المغلوبُ أمشي حيثُ يأمرني الوزيرُ/ ولا حزنْتُ لأنني المأمورُ أن أضعَ الجريدةَ تحتَ نعلِ حذائِه الموروثِ من نسلٍ تقادمَ ذلُّه للخادمين/ فما أنا إلا كعبدٍ من عبيدِ اللهِ حولَ قصورِهم/ ما همّني إلا رضى أعوانِهم/ كي يقبلوا بي حارساً/ لي حشوُ بطني من بقايا العيشِ/ هل أغلى على المغلوبِ من بطنٍ وفمْ؟

 

ما اخترتُ هذا الفقرَ/ أنّى تسقْ بيَ الأطباقُ أجر خلفَها/ لي أجرُ يومي/ ألفُ حمدٍ للذي يرضى فيطعمُني/ ويقبلُني مع الخدام عبداً صالحاً/ كمْ راقَ لي أنْ قيلَ عني: (يستجبُ كما يروقُ لصاحبِ الأمرِ المزنّر بالرصاصِ)/ وكمْ فرحتُ إذا نجوتُ ولم يكن رأسي الضحيةَ حين يحلو للمدلّل أن يسيرَ إلى الرمايةِ/ حيثُ يأمرُني بأنْ أضعَ الدريئةَ فوقَه/ ما أكرمَ الأسيادَ!! لولا عزُهم من أين يحتكرُ العبيدُ لباسِهم/ ما أجملَ الأسيادَ!! لولا صفوُهم من أينَ تمطرُ بالنعيمِ على العبيدِ موائدُ البشرى/ وكيفَ حناجرُ الفقراءِ لولا زهدِهم تتلو أناشيدَ الكرمْ؟!

 

ما اخترتُ هذا البيتَ/ أمّ تفتدي ميراثَه بالأسرِ/ أختٌ ضلّ عن أحلامِها بختُ الندى فاستودعَت في الطين سرَّ رجائِها/ وأخٌ تنكّرِ لي/ وجارٌ باعني/ ما نفعُ هذا الوردِ في أرجائِه؟/ ما نفعُ هذا العطرِ في أنحائِه ما دمت منفيا به؟! / ما زارني عن بحره رحالةٌ أو مرّ بي عن نهرِه راعٍ ولا بدويةٌ فاءَت إلى صحرائِه/ ما اخترتُ فيه النارَ والأحجارَ/ لكني ورثتُ كتابةً أولى على جدرانِه فورثتُ شرياناً ودمْ.

 

ما اخترتُ هذا القهرَ/ طافتْ بي السلاسلُ بين أسواقِ الولاةِ وباعني ملكي بسيفٍ أعجميّ/ وابتليتُ بسيد أعمى/ لأمشي خلفه/ فيقودُني أنّى تسيرُ عصا بصيرتِه فأبقى خائفاً من أنْ يميلِ فأنثني/ وبقيتُ في الأسواقِ حيث يبيعني المنحوسُ والمسعودُ يوثقُ بي وهذا القهرُ من غيري يعيشُ فصولَه/ لو كان غيري عاشَه لشكا ولو كان الصنمْ.

 

ما اخترتُ هذا الوقتَ/ عمري بالحراسةِ ضاعَ بعضُ ربيعِه/ وبقيتُ عتالاً بمملكةِ الصبا/ ومررتُ حمالاً فتياً في فصولِ القهرِ/ لو خُيّرتُ كنتُ شربتُ كأسَ الشاي كالأحرارِ/ كنتُ جمعتُ كالعشاقِ وردَ خريفِه/ ومحوتُ ما خطّت يدي في سفرِ هذا القهرِ من عمري نعمْ.

تعليق عبر الفيس بوك