"نيويورك تايمز": هل تصبح بريطانيا العظمى "إنجلترا الصغرى"؟

مقال بقلم نيكولاس كريستوف كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز.

ترجمة- رنا عبدالحكيم

على مر العصور، كانت بريطانيا العظمى وطن الثورة الصناعية وراعي الديمقراطية النيابية، وموطن القانون العام ومؤسسة أول حركة ضد العبودية والوقوف أمام هتلر.. لكن الفوضى تعم بريطانيا الآن.

فقد يتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تفتت المملكة المتحدة، بحيث لا تدوم البلاد أكثر من عقد من الزمان. وتتجه المملكة إلى انتخابات جديدة في 12 ديسمبر، في الوقت الذي يرأس فيه كلا الحزبين الرئيسيين أشخاص لا ينبغي الوثوق بهم في أي مكان بالقرب من داونينج ستريت مقر رئاسة الوزراء البريطانية. والأمر الأكثر خطورة هو احتمال أن يتمكن رئيس الوزراء بوريس جونسون في النهاية من سحب بريطانيا المنهكة إلى خارج الاتحاد الأوروبي.

إنه لأمر محير أن يرى من يحب بريطانيا، رجلا مثل جونسون يتقدم في استطلاعات الرأي وهو يسلك طريقاً متهوراً يلحق الضرر ببلاده اقتصاديًا ويخاطر بتمزيقه.

ويتفق الاقتصاديون إلى حد كبير على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يتسبب في أن تعاني في جوانب التجارة والناتج المحلي. وتشير إحدى الدراسات إلى أن بريطانيا ربما تكون بالفعل أكثر فقراً بنسبة 3% بسبب التخطيط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فيما تضع دراسة أخرى الانخفاض طويل الأجل عند 3.5%؛ ودراسة ثالثة تشير إلى تراجع اقتصادي قدره 6% على المدى المتوسط. وذكرت مجلة إيكونوميست أن خطة جونسون للخروج من الاتحاد الأوروبي ستكون أسوأ بالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة من خطة سلفه تيريزا ماي.

وسيتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حسب خطة جونسون إلى أن تضغط أيرلندا أكثر من أجل الوحدة. فالبريكست سيجعل أيرلندا الشمالية أكثر اندماجا مع جمهورية أيرلندا مقارنة ببقية بريطانيا. ومن المفارقات أن يكون جونسون يدفع إلى وجود أيرلندا المتحدة أكثر من الأيرلنديون أنفسهم.

وفي اسكتلندا، أظهر استطلاع للرأي أن التعددية الآن تؤيد الاستقلال، وهناك بالفعل دعوات لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال.

وقالت نيكولا ستورجيون الوزيرة الأولى في اسكتلندا: "إن مستقبل اسكتلندا الأفضل هو مستقبل أمة أوروبية متساوية ومستقلة". وأضافت "هذا خيار مصممة على ضمان توفيره لشعب اسكتلندا".

وقد تقيد البرجماتية الأسكتلنديين في النهاية، حيث من المفترض أن تكون اسكتلندا خارج الاتحاد الأوروبي وستجد نفسها تخلق حدودًا مع إنجلترا أيضًا. من غير الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيرحب بعودة اسكتلندا، خوفًا من تشجيع الانفصاليين في أماكن مثل كاتالونيا.

حتى ويلز يبدو أنها سئمت هي الأخرى، فقد وجدت إحدى الدراسات أن 41% من سكان ويلز يفضلون الانفصال إذا أمكنهم ذلك من البقاء في الاتحاد الأوروبي.

إن بريطانيا العظمى المتصدعة لن تكون عظيمة. ففي النهاية، كل ما تبقى هو إنجلترا. والمملكة القوية الذي دام مئات السنين، يمتد من جزر أوركني إلى كورنوال، ومن بلفاست إلى لانفاير بولجوينجيل، من الممكن أن يمزقها الغوغائيون السياسيون من أمثال جونسون الذين لا يستطيعون حتى إدارة حياتهم الشخصية، ناهيك عن إدارة شؤون شعب بأكمله.

هذه الانتخابات تعكس حسابات قاسية في كل مكان؛ فجونسون يأمل في أن يتمكن من الفوز بأغلبية، والحزب الوطني الأسكتلندي يريد الاقتراع قبل أن يتم تشويه سمعته في محاكمة العام المقبل في قضية اعتداء جنسي لزعيمه السابق. وإذا لم يفز أي حزب بالأغلبية، فمن الممكن أن تعود بريطانيا إلى حيث بدأت، أو أن حزب العمل سيجمع الحكومة مع الديمقراطيين الأحرار لإجراء استفتاء آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. نأمل ذلك!

تعليق عبر الفيس بوك