الأكاديميات الرياضية.. للقصةِ بقية!

 

المعتصم البوسعيدي

       لا يختلف اثنان حول أهميةِ الأكاديميات الرياضية ودورها في إيجادِ قاعدة سليمة لمُمارسةِ الرياضة بمفهومِها الواسع؛ حيثُ التنشئة الصحيحة رياضياً وذهنياً وجسدياً وروحياً وحتى اجتماعياً وذلك بالتنسيق مع كُلِ الجهات والأفراد بما فيهم الحلقة الأهم، إلا وهي الأسرة وتطلعاتِها نحو صقل موهبة أبنائها ورفع جودتهم وكفاءتهم وإكسابهم المهارة والشخصية اللازمة.

       وقد يختلف اثنان ــ هذه المرة ـــ في الحديث عن حقيقة وجود الأكاديميات الرياضية بالسلطنة، وعملها واحترافيتها وواقعها المؤثر، لكن الاتفاق يذهب بنا لإيجابياتِ مُمارسة الرياضة للناشئة داخل منظومتها؛ كونها تستند على مقومات أفضل وبيئة صحية أحسن عن البيئة الموجودة في النادي؛ باعتبارها مؤسسات خاصة تهتم بعاملِ تقديم الخدمة الجيدة التي تضمن استمراريتها.

       لا أدعي أنني أسبرُ غور الأكاديميات الموجودة في السلطنة، والمقال هنا أعتبره سطر قصة ــ فقط ــ لها بقية أحاول أن استفز به الفضول نحو توجيه البوصلة إلى عملِ هذه الأكاديميات، وما قد تمثله من أملٍ ربما يشكل حجر الزاوية الذي يحرك ركود رياضتنا نحو مستقبل لا يبدو جميلاً إن ظل الحال على ما هو عليه الآن.

ظهرت الأكاديميات بالسلطنة بشكل ملحوظ ــ على ما يبدو ــ على أنقاض مدارس تعليم الكرة في مشروع هدف مع نهاية العقد الأول من الألفيةِ الجديدة، واستمرت في النمو حتى رأينا وسمعنا عن رقم كبير لها، منها بالتأكيد ما هو نافع ومنها ما يذهبُ جفاء، وبالتالي فقد حان الوقت لإكساب هذه الأكاديميات أهدافها وغاياتها النبيلة والأخذ بيد المتحققة منها بالدعم المادي والمعنوي؛ لأنها أحد أسباب بروز مجموعة من اللاعبين في الأندية والمنتخبات.

إذاً.. ما هو واقعها؟! هناك عشوائية كبيرة لهذه الأكاديميات أو حتى من تضع مسميات أخرى لها كمدارس كروية أو مراكز تدريب، وبالتالي وحتى تكون مؤسسات ذات تكاملية في العمل الرياضي، فأعتقد أن جمعها تحت مظلة واحدة ذات تشريعات وقوانين ومعايير واضحة ومحددة، وبسلطة رقابية ومتابعة لخططها الدورية والسنوية سيتيح حجم استفادة كبيرة نحتاجها بشكل مُلح، أما أن تظل في وضعها الحالي كمؤسسات تجارية يشوب بعضها علامات الاستفهام وحالات توجس، حتى أنها تتداخل مع قضايا الرأي العام كقضية التعمين والتجارة المستترة، فإننا سنمضي إلى لا شيء وتبدأ الكفاءات الوطنية في مُغادرة أماكنها، يأساً وإحباطاً وكسر مجاديف.

       في خضم ذلك، من المؤكد أن موضوع الأكاديميات مرَّ على طاولةِ المعنيين في وزارةِ الشؤون الرياضية واتحاد كرة القدم، ويبقى السؤال عن طبيعة التعامل الذي وجده هذا الملف والنظرة التي حالت دون التغيير الجذري له، وعلى هذا فالرسالة يجب أن تصل لضرورة المبادرة بالتغيير والتطوير، والمساهمة الفاعلة لبلورة الأكاديميات ليس على أساس أنها ربحية خاصة، فالقضية أكبر حين نجعلها أكاديميات ذات صناعة رئيسية لإنتاج جيل رياضي ناجح يتجاوز الواقع الصعب. وخلال بحثي السريع وتقصي المعلومة لهذا المقال جمعني حديث مع أحد أصحاب هذه الأكاديميات ــ دون معرفة سابقة بيني وبينه ــ سمعت منه حجم المعاناة والتحديات المالية والمعنوية وغياب التنافسية الحقيقية والعشوائية التي تسيطر على عملها وتمددها بشكل ملفت لا يلوذ على فكرة تؤمن بخدمة الصالح الوطني العام، كما حدثني عن سعيه الذي لم تقله أرض ولم تظله سماء.

       إن الأكاديميات ليست مؤسسات تجارية، ولا حتى رياضية فقط؛ بل هي بيئة تدريبية تربوية تُكافح من أجل بناء الأجيال، فتحارب السلوكيات والممارسات الخاطئة التي تقود النشء إلى طريق محفوف بالمخاطر، كالغزو الفكري والألعاب الإلكترونية السلبية، بل وتصل إلى الإدمان القاتل للمخدرات وغيرها، وتتلاقى مع صناعة الرياضي الناجح المشبع بالجانب المعرفي، وبالتالي فإنَّ الأمر ليس مجرد مكان وتدريبات ووقت فراغ، الأمر ينطوي على مؤسسات ذات هيكلة إدارية من الأخصائيين والفنيين والتربويين، فالفئة المستهدفة مُضغة يجب أن تتشكل بالطريقة المثالية، راجياً أن تعمل المؤسسات الحكومية والخاصة على احتواء الأكاديميات بالدعم المطلوب وقد تُستغل "ريادة" في هذا الأمر وكافة الحاضنات الأخرى العامة منها والخاصة، فالكم الحاصل يجب أن يُقنن ويُستغل الجانب المشرق منه. وقد يكون للقصةِ بقية.