قراءة في مسرحية (الواقع/ طبق الأصل) لـ"سلطان القاسمي"

ناصر أبو عون

استلهام التراث في إطار اللحظة التاريخية.. مصداقية التراث أم مصداقية الكاتب؟

إن الوعي بالتراث ليس هو الإلمام به ولكن هو موقف نقدي من التراث وهذا الموقف كامن في وعي المبدع الذي يقف في نقطة (ما) على حدود الزمن ، كما يرتبط هذا الوعي بالجمهور الذي يتوجه إليه وننظر إليه على أنه وعي بالعصر والعملية الإبداعية .. وسلطان القاسمي في مسرحه يستلهم التراث في إطار لحظة تاريخية لها دلالتها وحضورها في الواقع المعاش، ولكن هل  نجح كمؤلف مسرحي في التأكيد على مصداقيته إبداعا ومصداقية الحدث تراثا؟

 

 

  • تساؤلات منهجية:

 

يدور الآن جدل واسع حول الهوية والتراث وأزمة الواقع العربي المعاصر ويطرح الأكاديميون والمهتمون بالفن المسرحي قضية (مصداقية التراث حين يتعامل معه المبدع .. وما هي حدود المبدع في الخروج على هذه المادة التراثية ؟ وكيف يخرج منها من خلال الخطاب الفني الذي يطرحه وهامش المادة التراثية التي يمكن أن يعمل خلالها المبدع؟ وما هو جوهر الصدق في الإبداع الفني؟ وهل الصدق ينتسب إلى الواقع.. ثم أي صدق وأية مصداقية؛ فهل هي مصداقية التراث أم الكاتب؟ وهل استلهام التراث لابد أن يكون مبررا بين إحساس الموروث والكاتب ؟ لأنه من هنا يتأتى ضبط الدراما في إطار شاعري نابع من مقولة الإنسان. ومن ثَمَّ نطرح هنا قضيتين للنقاش:

 

الأولى: قضية المصداقية:

وهي تستدعي تساؤلات عديدة أهمها: فهل الكاتب ملتزم بالتراث أم إن له الحق في رؤية التراث كما يناسب تفكيره مما يؤدي إلى قلب الموازين.

 

والثانية قضية الالتزام:

هل الكاتب مقيد بشخصيات التراث أم يمكن تضمين هذه الشخصيات في صورة معاصرة؟ وهل الكاتب ملزم بنقل تفاصيل الحكاية التاريخية أو الشعبية ؟ (1)

 

  • مداخلات تمهيدية:

 

  • مداخلة / 1 :

 

إن المصداقية شخصية نسبية والكاتب يعبر عن قضايا عصره غير أن تساؤلات الدراسة تضعنا أمام قضايا محيرة لا تتعلق فقط بالممارسة المسرحية ولكنها تتعلق بالوجود العربي فالمسرح هو هذه الممارسة التي تعبر عن الهوية العربية وهذا يضعنا أمام قضية التراث الذي يسكننا وهذه الإشكالية تطرح أربعة قضايا .. المصداقية / الاستلهام / التراث / المسرح العربي .. فكيف يمكن أن نجمع بين هذه المتفرقات فإذا كانت المصداقية قيمة فهي لا تتحقق إلا بالوعي التاريخي بالتاريخ العربي فالمصداقية قيمة ووعي تاريخي وصدمة تتكرر بطرح أسئلة على الواقع العربي وهي أساسية لتحقيق المسرح العربي وهذا ما فعله المسرحيون العرب بداية من توفيق الحكيم نهاية بسلطان القاسمي.

 

وهذه المصداقية لها امتدادها في الإلهام الذي هو أساس الإبداع والمخيلة الإبداعية هي التي تجعل المصداقية تفتح على التراث عبقريته وخطاياه المتعددة فكيف نتعامل مع هذه الخطايا الماضوية ؟ إذن هذا الاستلهام يمكن أن يكون وسيلة لا غاية لهذا التراث المتعدد فهو المفرد المتعدد بأساليبه وعمرانه.

 

وبتعبير عبد الرحمن بن زيدان فهذه الثلاثية [المصداقية – الاستلهام – التراث] تجمع بين الإبداع كمسرح والعروبة ككيان إنساني على نحو ما تحقق في مسرح سلطان القاسمي وبخاصة في مسرحياته (عودة هولاكو – القضية – الواقع) (2)

ويرى عبد الفتاح قلعجي أن مصداقية استلهام التراث تتحقق ليس فقط في ارتباطها بالمتغير السياسي والاجتماعي ولكن أيضا في ارتباطها بالقيم الكبرى مثل القلق والموت والمسرحيات التي حققت خلودا حملت مضامينها قيما كبرى. وعلى ذلك فالمبدع ليس محققا أو مصنفا للتراث أو ناقلا للمادة التراثية.

 

  • مداخلة / 2:

 

لاشك إن العملية المسرحية هي تعبير عن واقع معاش خلال أنساق من الموز تشكل لغات العقل المسرحي وعند استلهام التراث كواحد من هذه اللغات لا بد بالضرورة أن يكون هناك توظيفا لرموزه بالشكل الذي يحقق التواصل ما بين المؤدي والمستقبل ويتحول التراث هنا إلى مفردات أو رموز يتفق على دلالاتها ما بين المؤدي أو المرسل والمستقبل حتى يحقق الخطاب المسرحي الهدف منه : وهنا تتحقق مصداقية توظيف التراث إذا ما عرف المبدع / المستلهم العناصر أو الرموز التراثية ومدى حدوده في التعامل معها.

 

ويعتقد الباحث كمال الدين حسين أننا لو تعاملنا مع العناصر التراثية بوصفها رموزا لها دلالتها في الوجدان الشعبي من أجل إيصال خطاب يعبر عن هذه الدلالة فيكون من حقنا التعامل مع هذا الرمز بدلالته لأنه على سبيل المثال لو كانت الشخصية الدرامية تتحد بأبعاد ثلاثة هي البعد النفسي ، والفيزيقي ، والاجتماعي فإن الشخصية التراثية يضاف لها بعد رابع هو البعد التراثي وهو الذي يدفع المبدع لاستلهامه أو توظيفه في عمل درامي معاصر يطرح من خلاله رؤياه في قضية معاصرة. (3)

 

ويتساءل فاروق أوهان عن ماهية التراث الذي يستحق النقل وكيفية استلهامه في المسرح وأكد في هذا السياق على حاجتنا لنشر وتحليل وتفكيك ما يقدم وينقل للمسرح من التراث.

 

  • مداخلة / 3:

 

ولتحقيق مصداقية التراث وهي كما حددها – كمال الدين حسين – لابد أن يكون المبدع في حالة وعي تام باللحظة التاريخية التي أبدع فيها العمل الذاتي من جهة والعمل الفني من جهة أخرى وذلك باعتبار أن العرض المسرحي يتحقق بثلاث لحظات تاريخية أو ثلاثة أزمنة: [زمن الحدث – زمن الإبداع الفني – زمن العرض المسرحي] مع الإيمان بأن هناك واقعية لإبداع العنصر الذاتي في أي من أشكاله المرتبطة بالأزمنة / أو اللحظات التاريخية السابقة باعتبار أن الوعي بهذه اللحظات الثلاث يشكل وعيا بالذات ورمزية ووظيفة من منطلق الحس الأدبي يرتبط بطبيعة اللحظة التاريخية.

 

وهناك من يرفض مصطلح (المصداقية) ويراه استفزازيا مشيرا إلى أنه يجعل المبدعين محاصرين بآراء مسبقة تقيد الإبداع في الوقت الذي نجهل فيه تراثنا فيقوم المبدع بدور المؤرخ أيضا الذي يقدم معلومات تاريخية أثناء العملية الإبداعية على نحو ما دعا السوري ممدوح عدوان إلى رفض هذا المصطلح باعتباره قاتلا للإبداع بل ويحول المبدع إلى كاتب تاريخ أو حارس مطالب بالحفاظ على التاريخ من حملات التشويه والتزييف التي يقودها الآخر في حين أن المبدع ليس مؤرخا بل فقط يستخدم التراث كمادة تراثية لا يلتزم فيها المبدع بمصداقية التراث كما فعل دورنيمات في رميلوس العظيم.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الأجناس الأدبية ترتبط بالمتغيرات الاجتماعية وبذلك تكون التغييرات التي تصاحب لحظة الإبداع هي الدافع لتوظيف واستلهام واستقدام لحظة ماضوية بين التراث وعرضها على الجمهور كما ينطبق ذلك على لحظة العرض التي تقدم اللحظتين السابقتين لتوظيفهما برؤية جديدة وتأويلا جديدا (4)

 

  • مداخلة / 4:

 

غير أنه لابد من التأكيد على الوعي بالمستقبل إلى جانب الماضي واللحظة التاريخية حتى لا يتعرض لإجهاض وعيه بالزمن وحتى لا يقع في فخ التناقض بين حدي العملية المسرحية: (بين فكر المبدع المسرحي وبين فكر التراث) إذن فإلى أي مدى يستطيع الكاتب المسرحي أن يغلب فكره الذاتي على التراث؟

 

ويؤكد عبد الكريم برشيد أنه ليس هناك مواصفات ميكانيكية للإبداع وأن الكتابة الميكانيكية ليس لها وجود إطلاقا فالإبداع حرية ولا يمكننا أن نقيد المبدع العربي الذي يحمل في لا وعيه مخزونا كبيرا من الثقافات المعرفية ، فالمبدع لا يرصد الوقائع ولكنه يؤرخ للوجدان والكاتب مثل (القابلة) يشرف على عملية الولادة ولكنه لا يمنح الحياة.

 

ولكن ما هو المبرر الذي يدفع الكاتب إلى اللجوء للتراث ؟ هل كان هربا من القمع السياسي – بتعبير محمد السيد عيد – والرغبة في الهروب من الآنية المباشرة !! وهل المصداقية في التعامل مع التراث هي الموضوعية أم النقل الحرفي أم تأويله أم استنساخه أم الوقوف عنده؟

 

إن الوعي بالتراث ليس هو الإلمام به ولكن هو موقف نقدي من التراث وهذا الموقف كامن في وعي المبدع الذي يقف في نقطة (ما) على حدود الزمن ، كما يرتبط هذا الوعي بالجمهور الذي يتوجه إليه وننظر إليه على أنه وعي بالعصر والعملية الإبداعية تتعامل مع جمهور بعينه . ويرى يسري الجندي أنه إذا أخذنا المسألة بهذا المعنى فأنا مطالب أن أفسح لإبداعي تواجدا داخل مادة التراث وهذا يتم داخل خطاب فني . فهل عليّ أن ألزم نفسي بالمادة التراثية بشكل مطلق . فهناك الخطاب الفني ذاته ثم هامش هذه المادة نفسها وهذا الهامش مع الخطاب الفني هو اختيار خاص.

 

  • (طبق الأصل / الواقع) لحظة تاريخية برؤية عصرية:

 

تعد لحظة سقوط القدس في يد الصليبيين ثم استردادها على يد صلاح الدين ثم سقوطها في عهد الملك الكامل (الحادثة المركزية) في هذه المسرحية جسدها سلطان القاسمي في المشهد الأول من الفصل الثاني عندما رحل أبو سعد الهروي قاضي قضاة دمشق إلى بغداد بصحبة اللاجئين الفلسطينيين حاملين المصحف العثماني وهم القلة الناجية من بيت المقدس كشهود عيان على المذابح الصليبية مستنجدا بالخليفة العباسي المستظهر بالله مفقود النخوة والذي استقبل خبر سقوط بيت المقدس بدم بارد قائلا: (إني حزين لما جرى في القدس وأتعاطف معكم ولذلك قررت تكوين لجنة من ستة من أصحاب المناصب الرفيعة في البلاد نسميها لجنة الحكماء للتحقيق في تلك الأحداث المفجعة.

 

لكن أبو سعد الهروي يصرخ بمن حوله بعد أن خاب أمله وتكسرت أحلامه على شفاه المستظهر بالله فيصرخ : أين السلطان بركياروق ؟ خذوني إليه ليجهز جيشه لاستعادة بيت المقدس ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍. لكن أحد الوجهاء يلقمه حجرا في فمه فيزيده يأسا وقنوطا قائلا: إن السلطان بركياروق يقود معركة ضد أخيه محمد في شمال فارس ويظل سلطان القاسمي يتنقل بين أروقة التاريخ العربي على امتداد قرن من الزمان وهي سنوات تنامي الحقد الصليبي والغربي والعنصري تجاه أمتنا العربية وصولا إلى حقبة التحرير على يد صلاح الدين ليرسم صورة للبطل العربي المنافية للبطل الأوروبي خلقا ودينا وفروسية عاقدا مقارنة بين لا أخلاقية المستعمر الغاصب المفرغ من القيم الإنسانية وبين أخلاقية الفارس العربي الذي تزود بروحانية الإسلام سلما وحربا.

 

وإن كانت اللغة المسرحية مباشرة إلا أنها متخمة بالرموز والدلالات فالزمن عند القاسمي تجمد عند القرن الحادي عشر الميلادي فرغم انقضاء عشرة قرون على تلك الأحداث فمازال التاريخ العربي واقفا / ساكنا والأحداث تعيد نفسها بل أضحى اليوم (الحاضر) صورة واقعية / طبق الأصل للماضي الذي ولّى  فقد كان العرب أشتاتا فالأرض معطلة وكراسي الحكام مشغولة بذواتها والأمراء وإن كان بعضهم أشقاء كالسلطان بركياروق وأخيه محمد جهلوا معنى الوحدة لغة وفعلا وتحولوا (وتفرقوا شيعا فكل جزيرة – فيها أمير المؤمنين ومنبر) وانقسمت الخلافة الإسلامية خلافتين : فاطمية شيعية متقوقعة على ذاتها في مصر وعباسية سنية متآكلة في بغداد وفي كل مدينة فئة باغية تسلب البسطاء قوت يومهم .. وأحاطت قوى الشر الصليبية متسترة بعباءة الدين وقميص المسيح وقتلوا سبعين ألفا من سكان بيت المقدس وما جاورها من بلدان بل إنهم سفكوا دم 16 ألف مسيحي يخالفونهم في المذهب .. و نحن – العرب -  اليوم وفي بداية الألفية الثالثة تتآمر علينا قوى غربية يطلقون على أنفسهم (اليمينيون الجدد / الصهيونية المسيحية) تقتل وتنهب تحت زعم محاربة الإرهاب ونشر القيم الديموقراطية.

 

وقد نجح القاسمي في استخدام تقنية الإسقاط واستحضار الحدث (الفائت والحاضر) في ذهنية القارئ والمشاهد من خلال الدلالات غير المباشرة التي تفرض حضورها على المتلقي ومن تلك الدلالات:

الإشارة إلى (الملك الكامل) و (اتفاقيته مع الفرنج بالتنازل لهم عن بيت المقدس) كرمز ومعادل موضوعي لشخصية الحاكم العربي الذي تخلى عن (الحقوق العربية في فلسطين) في مقابل حفنة من الدولارات تحت مسميات شتى : المعونة والمنحة وجدولة الديون ثم نرى (الحمار الأعرج) الذي ركبه بطرس الناسك رسول أوربان الثاني والمحرض على الحروب الصليبية  جاء رمزا للأكاذيب الملفقة التي اعتمد عليها الصليبيون وخدعوا بها البسطاء منهم ليشتركوا في غزو الشرق بدعوى أنها (الحرب المقدسة) وهو أيضا معادل موضوعي لوسائل الإعلام الغربية والعربية بصحفها وفضائياتها ومراكز دراساتها وتقارير استخباراتها التي تعتمد على تزييف العقل وغسل الأدمغة لقلب الحقائق إلى أكاذيب لتحقيق أهداف خفية.

 

  • مسرح القاسمي من التواصل إلى الحوار:

 

إن المسرح هو إنجاز تاريخي كوني لا يخص شعبا من الشعوب دون آخر وإن العلاقة بين التيارات والروافد المسرحية في العالم ما هي إلا علاقة تواصل وحوار وتفاعل وليس المسرح غير إنجاز تاريخي إنساني تشترك فيه كل الثقافات والشعوب ومن الصعب استخلاص مسرح ينفصل عن المكونات والظروف والتعابير الثقافية والفكرية وينسلخ عن المؤثرات الحضارية المختلفة وهذا ما يؤكده سلطان القاسمي في مسرحه التاريخي الذي لا يتكئ على التحريض والصراع بين الغرب (الكولونيالي/ المادي) والشرق (الروحاني/ السلمي) وهو ما يؤكده بول شاؤل بأنه لا حوار ولا صراع بين الحضارات لأن العالم كله حضارة واحدة صنعها تاريخ البشرية كله وأن صراع الحضارات هو اختراع استعماري قديم / جديد تسعى من خلاله القوى المهيمنة لمصادرة هذا التاريخ والإرث الحضاري الذي ساهم الجميع في تشكيله.

 

ويعد الإنتاج المسرحي لسلطان القاسمي رحلة داخل الفن المسرحي واكبت كافة التطورات والانتقالات الفنية وعرف ثورة انتقال السلطة من الكاتب والممثل إلى المخرج كما عرف الثورات الأخرى التي هبت من الغرب متأثرا بـ(البرشتية) ثم انتقل إلى اتجاه (المسرح داخل المسرح) ومن هذا الاتجاه تحول إلى (المسرح التسجيلي) وتأثر بالفضاءات المسرحية الأجنبية من (العلبة الإيطالية) إلى الفضاء المفتوح إلى كسر الجدار الرابع إلى اختيار الدور والقصور والأمكنة العمومية وامتص كل الاتجاهات الكتابية والإخراجية وحتى السينوغرافية وأعطى نماذج رائعة تشكل ما يمكن أن نسميه مسرحا عربيا حديثا.(5)

 

ولأن المسرح يقوم على التواصل والحوار وليس على الصراع والصدام وهو فن يقوم على تأكيد الرابطة الإنسانية وتعميقها وإثرائها فقد اختاره سلطان القاسمي قالبا تعبيريا لإبداعه ولقاحا ضد الكراهية والحروب وفوق الانتماء المحلي وفوق الحدود اٌلإقليمية لأن مآثره ملكا للإنسانية جمعاء.

 

وإذا كان الفن المسرحي في نشأته وشكله غربيا فإن هذا الشكل أغنته الثقافات الأخرى وعلى رأسها الثقافة العربية ومبدعيها بداية من توفيق الحكيم وصولا إلى سلطان القاسمي بمضامين ومحتويات وتنويعات جعلته يصل إلى هذه الآفاق غير المحدودة من الثراء والتنوع والخصوبة وينصهر في بوتقة الجهد الإنساني الخلاق والتراث الإنساني المشترك متجاوزا الانتماءات اٌليمية والمحلية صامدا في وجه الجانب السلبي لعصر التقنيات والربوت.

 

واستطاع القاسمي الدخول بمسرحه في علاقة جدلية وانتهاج أساليب مسرحية في الكتابة والسعي نحو تحقيق مسرح قومي الهوية عن طريق استلهام التراث (مادة وشكلا) وتحديثه في ضوء التجربة المسرحية الغربية والخروج على جماليات مسرح البروسينيوم إلى جماليات المسرح المفتوح واستلهام أشكال الفرجة المسرحية.

 

 

  • اللغة المسرحية بين يونسكو وبارت والقاسمي

 

إن الشخصية لم تعد في المسرح الحديث لم تعد سلسلة متصلة الحلقات تقوم على التتابع الواعي وأن الحادثة المسرحية فقدت منابع انبثاقها ومنطقية تطورها وحتمية وصولها إلى نقطتي الحل والتنوير ومن هنا جاءت نقطة الالتقاء بين سلطان القاسمي ويونسكو حيث اعتبر كل منهما اللغة لها دورها في نقل المفاهيم المنطقية الموضوعية إلى المتفرجين وتهدف إلى إبراز سمات الشخصية الإنسانية الدرامية لتكشف بوعي عن الحدث الدرامي.

 

ومن هذا المنطلق يرى كلا الكاتبين أن اللغة لم تعد وسيطة لنقل أي شئ على الإطلاق وإنما أصبحت شاهدا من شواهد العبث على وجود قائم (6)

وعند قراءتنا لمسرح سلطان القاسمي نجده يستعيد ذاته عاكسا عوالمه السيكولوجية والنفسية منصاعا لزمن الإبداع الذي يأتيه فيضا مخطوفا بالكلام واللغة وبتعبير بارت ينصاع لقوانين الكتابة ونواميسها الروحية مما يجعله ساردا محايدا حتى وهو يتوهم أنه يعبر عن قناعاته.

 

وليس على القارئ سوى أن يتخلص من عبء التماهي التام مع الكاتب / المؤلف لأن ذلك الكاتب المؤلف ليس ساردا لذاته بل لحقائق تفرضها شروط الكتابة وأبعادها .. كما أن على المؤلف أن يتنازل عن مركزيته الواهمة وهو يفترض أنه البطل الأوحد في النص.

وسلطان القاسمي في كافة مسرحياته انصاع لشرطية رولان بارت وسحب البساط من فكرة النجم الكاتب الذي يعيد تدوير معطيات الحياة وتفاصيلها كما يريد واستعاض عنها بسلطة النص .. ذلك أن الكتابة ليست شهادة على ما كان أو عملية إثبات وتسجيل وتوثيق لشواهد بل إنها حالة موصولة بالمستقبل متجاوزة لـ(الأنا)الساردة ومشتركة في كتابة النص المقروء.(7)

 

 

الهوامـش:

  1. سعد أردش – ندوة التراث الشعبي والمسرح – منشورات ملتقى القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي الأول 1994م
  2. عبد الرحمن بن زيدان – التراث الشعبي والمسرح – مناقشة بحثية – 1994م
  3. كمال الدين حسين – استلهام التراث – بحث أكاديمي – 1994م
  4. المرجع نفسه.
  5. بول شاؤل – ندوة أثر النموذج الغربي على مسرح الثقافات المغايرة – نشرة مهرجان المسرح التجريبي – عدد 5- سبتمبر 2002م
  6. محمد إسماعيل بدر – أوجين يونسكو ودراما المسرح العبثي – الرافد عدد 62أكتوبر2002
  7. عمر عبد العزيز – موت المؤلف – الرافد – عدد 83 – 2004م

 

تعليق عبر الفيس بوك