الشورى والتنمية

حاتم الطائي

 

◄ الناخبون اليوم يخططون مستقبلهم لأربع سنوات مقبلة

◄ المجلس الجديد سيكون محطة فارقة في مسيرة النهضة

 

 

يشهد وطننا الغالي اليوم التصويت في انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة 2019، ذلك الاستحقاق الانتخابي الذي يُمثل يوماً وطنياً بامتياز، حيث يخرج كل مواطن ومواطنة من بيته في هذا اليوم وعينه على المُستقبل، مستقبل التنمية في بلادنا لأربع سنوات مُقبلة، مُستقبل العمل الحكومي خلال الفترة التاسعة من مجلس الشورى.

جموع الناخبين والناخبات المُقيدين في السجل الانتخابي- والذين يتخطى عددهم الـ713 ألفًا- تقع على عاتقهم اليوم مسؤولية الإسهام في رسم مُستقبل الوطن خلال الفترة التاسعة، مسؤولية التصويت للأكفأ والأجدر في مناقشة قضايا الوطن بكل إخلاص وحرص على تقديم الأفضل واقتراح الحلول الناجعة لكافة التحديات التي نُواجهها. التصويت اليوم لن يكون لمرشحٍ بعينه، بل هو تصويت من أجل الوطن، ومُشاركة حقيقية في عملية صُنع القرار، من خلال اختيار المواطن (الناخب) لمرشحه الأنسب، لكي يُمثله ويُمثل الولاية التي يعيش فيها في ذلك المجلس، وينقل صوته إلى المسؤولين وصُنَّاع القرار وواضعي السياسات، بل ويعمل أيضاً على تحقيق تطلعاته وآماله في مُستقبل أفضل، عبر صياغة القوانين وتقديم المُقترحات، والأسئلة البرلمانية، وغيرها من الأدوات التي أتاحها النظام الأساسي للدولة ولائحة مجلس الشورى.

والتصويت الذي نأمله في هذه الانتخابات، هو تصويت يعتمد في معاييره على الكفاءة والإخلاص بعيدًا عن أية عصبيات، خاصة وأنَّ أداء المُرشحين في هذه الانتخابات هو الأعلى مُقارنة بالفترات المُقبلة، فوجدنا المرشحين القادرين على طرح رؤية جريئة لواقعنا وآليات مُعالجته، وآخرين درسوا بعناية واضحة أوضاع المُواطن المعيشية وقرروا أن تكون عضويتهم في الشورى- إذا ما فازوا- مُكرسة لكي يُحسِّنوا من حياة المُواطن، لاسيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تُواجهها السلطنة منذ تراجع أسعار النفط قبل نحو 5 سنوات، وتراجع الإيرادات العامة، وانعكاسات ذلك على المواطن، وتداعياته على الأوضاع بشكل عام.

ويهمني في هذا السياق أن أوجه حديثي إلى المُرشح المحتمل فوزه في الانتخابات، إذ ستكون أولى أولوياته منذ الجلسة الأولى لانعقاد المجلس وحتى نهاية الفترة التاسعة بعد 4 سنوات، أن يضع مصلحة الوطن والمُواطن فوق كل اعتبار، وأن يبذل كل جهده لأجل إيصال صوته إلى المسؤولين، ليس عبر الصوت المُرتفع أو المُناوشات التي نراها في برلمانات أخرى، لكن عبر الطرح الموضوعي المُحايد، الذي يرى المشكلة من كافة زواياها، وألا يكون هدفه الاستعراض أمام شاشات التلفزيون أو تصريحاته عبر الصحف والمواقع الإخبارية، أو حتى حسابه على منصات التواصل الاجتماعي. على كل فائز بعضوية مجلس الشورى أن يُؤسس مكتباً خاصًا به لاستقبال المُواطنين بصفة مُستمرة، دون أن يتعلل بعدم تواجده في الولاية، لاسيما الأعضاء الفائزين من خارج مُحافظة مسقط، الذين ربما يُواجهون تحديات في التحرك بين العاصمة؛ حيث مقر المجلس وأبناء ولايته.

عضو الشورى الجديد سيتعين عليه أن يُناقش بعد أسابيع قليلة من الفوز بالعضوية، ميزانية الدولة لعام 2020، وهي آخر ميزانية في رؤية "عُمان 2020"، وبالتالي عليه أن يُدرك جيدًا حجم التحديات التي تُواجه الدولة في هذه الميزانية والخُطط المأمولة والمُقرر تنفيذها خلال العام المُقبل، في كل القطاعات، وعلى عضو الشورى أيضًا أن يكون فاعلاً في الجوانب الخدمية لمواطني ولايته، وألا يتقاعس عن خدمتهم بقدر ما أوتي، فيقف على مطالبهم وينقلها إلى المسؤولين المعنيين.

المُجتمع الآن بات أكثر وعيًا من ذي قبل بمسألة الشورى وعضوية المجلس، وكيفية اختيار المُرشحين، ولذا فالآمال عظيمة بأن نرى أعضاء على قدر كبير من المعرفة والوعي بقضايا الوطن وتحدياته، الجميع وضع طموحات عريضة في المرشح الذي يأمل فوزه في هذه الانتخابات، فعُمان اليوم ليست هي عُمان الأمس، بل تطورت إلى الأفضل وتُواصل مسيرة تطورها بفضل ما يُوضع لها من سياسات حكيمة وما يُتخذ فيها من قرارات تصب في مصلحة المواطن أولاً.

ومجلس الشورى الجديد سيكون محطة فارقة ونقطة تحول جوهرية في مسيرة التنمية الشاملة والمُستدامة، لأنَّ ما ينتظر هذا المجلس من مهام وتطلعات أكبر بكثير ممَّا كان في السابق، والحدث الأكبر الذي ينتظره بدء تطبيق الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" مع بداية عام 2021، أي بعد ما يزيد عن عام بقليل من الآن، كما إن هذا المجلس سيكون شاهداً على الاحتفال باليوبيل الذهبي لمسيرة النَّهضة المُباركة التي يقودها بكل اقتدار وحكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم- حفظه الله ورعاه-.

إننا عندما ننظر إلى مسيرة الشورى العُمانية وتطورها على مر العقود الماضية، نجد أنَّها تعكس القيم العُمانية الأصيلة المُستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء، وتقاليدنا التي وضعها أجدادنا العظماء، وتربينا نحن عليها، منذ السبلة العُمانية وحتى مجلس الشورى، فتحققت التنمية التي نراها اليوم ويستفيد من مُنجزاتها كل من يعيش على هذا التراب الطاهر.. إننا ننعم تحت ظل قيادة حكيمة وضعت الإنسان العُماني هدفاً للتنمية وغايتها، فتحققت الرؤية السامية التي صاغت مستقبل هذا الوطن قبل قرابة خمسة عقود، ولا تزال- بفضل الله- تعمل على تحقيق المنجزات في كل القطاعات.