"فورين بوليسي": ألمانيا تقف بجانب الصين في مواجهة الغرب

مقال بقلم جانكا أويرتل، الخبيرة في صندوق مارشال الألماني في آسيا

ترجمة- رنا عبدالحكيم

من شأن رفض برلين بعدم السماح لشركة هواوي الصينية بناء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها أن يضعف جهود أوروبا للتصدي للنفوذ الصيني في القارة العجوز.

فعلى الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تستعد الحكومة الألمانية لتطبيق متطلبات أمنية تمت صياغتها مؤخرا ولا تضع قيودًا واضحة على شركتي الاتصالات الصينية "هواوي" و"زد تي آي" لتزويد شبكات المحمول الألمانية بتكنولوجيا الجيل الخامس.

وهواوي أكبر منتج للأجزاء اللازمة لبناء شبكات المحمول، وبات في وضع يسمح لها بأن تخرج منتصرة من التدافع العالمي لتنفيذ تكنولوجيا الجيل الخامس. وتتجاهل هواوي مخاوف الحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من أن الحكومة الصين قد تستخدمها لجمع معلومات استخباراتية وإعاقة سلامة شبكات المحمول في جميع أنحاء العالم.

إن من الضروري أن يتم تطبيق القوانين واللوائح الألمانية الجديدة عبر التشاور، فهناك فرصة جيدة لأن تستمر هواوي في القيام بدور مهيمن على أهم أسواق الاتصالات في أوروبا. ومع ذلك، فإن النقاش الألماني حول مستقبل شبكات الجيل الخامس لم ينته بعد. فالفشل في صياغة سياسة حاسمة وشجاعة، تتضمن بذل جهود مضنية للحد من نفوذ الشركات الصينية، يدل على نهج برلين الأوسع نطاقًا تجاه الصين، ويبرز نقطتين أساسيتين، الأولى: الخوف من التراجع الاقتصادي الذي يمكن أن يلحق الضرر بالاقتصاد الألماني، والثانية: الانقسامات الخطيرة داخل الحكومة الألمانية حول كيفية التعامل مع الصين. ويبدو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مصممة على عدم استبعاد بكين بأي ثمن تقريبًا، وهي على استعداد لوضع اعتبارات اقتصادية فورية فوق المصالح الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية طويلة المدى بل وفوق مصالح أوروبا ذاتها.

وحتى الآن، تمت معالجة النقاش الدائر حول الجيل الخامس في الحكومة الألمانية عبر الطرق الإدارية التقليدية. وتم تكليف الوكالات ذات المستوى الأدنى بالمهمة المستحيلة لإيجاد حل تقني لمشكلة سياسية. وتقع مقرات الوكالات الألمانية التي تقود العملية والمكتب الفيدرالي لأمن المعلومات (BSI) ووكالة الشبكة الفيدرالية (BNetzA) في مدينة بون، بعيدًا عن العاصمة برلين.

وتعاونت هواوي بشكل كبير من أجل تحقيق إمكانية الوصول إلى تقنيتها وحتى شفرة المصدر لاختبارات المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات وافتتحت مختبرًا أمنيًا في بون العام الماضي.

وبون موطن لمقر أكبر شركة اتصالات أوروبية وهي "دوتشيه تليكوم" والتي لا تتمتع بقوة ضغط كبيرة فحسب، بل لها أيضًا اهتمامات واضحة في النقاشات الدائرة حول هواوي؛ حيث إن أكثر من 50% من شبكتها الألمانية تعتمد على معدات هواوي. وتتمثل خطة الشركة في مواصلة العمل عن كثب مع المورد الصيني من أجل طرح مجموعة خدمات الجيل الخامس، والتي بدأت بالفعل على أساس تجريبي في مدن ألمانية مختارة، بما في ذلك برلين وميونيخ. وفي حالة استبعاد هواوي عن هذه الخدمة، فستكون أرباح الشركات على المحك.

ولا ترغب الحكومة الألمانية في وضع معايير تعاطى مع المخاوف الأمنية والاقتصادية المعقولة التي أثيرت في جميع أنحاء أوروبا بشأن شركات مثل هواوي التي قد تشكل تحديات أمنية كبيرة. وفي ظل هذا النموذج الجديد، لن تتخلف ألمانيا فقط عن النقاش الأوروبي، بل ستمثل حجر عثرة من الآن فصاعدا في طريق السياسة الأوروبية المشتركة المحتملة تجاه هذه القضية.

وبالمقارنة مع الأساليب التشريعية التي تم تقديمها في عواصم أوروبية أخرى مثل باريس أو ستوكهولم، أبقت الحكومة الألمانية حتى الآن البرلمان خارج المناقشة والتي يمكن أن تعود الآن لتطارد ميركل. ويمكن للبرلمان الألماني أن يطالب بدور حقيقي في تشكيل البيئة القانونية المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس. وإذا فشل في التحرك، فمن شبه المحتم أن تستمر برلين في نهجها العشوائي، وتتجنب الخيارات الصعبة وتترك أمنها وقدرتها التنافسية في خطر وتخسر الحلفاء. والأهم من ذلك، إضعاف موقف أوروبا الشامل إزاء الصين والولايات المتحدة في الصراع الناشئ من أجل الاستقلال التكنولوجي.

تعليق عبر الفيس بوك