كيف تحولت تشيلي من نجم اقتصادي إلى فوضى عارمة؟

ترجمة- رنا عبدالحكيم

تحظى تشيلي بأفضل نظام ائتمان في أمريكا اللاتينية، فضلا عن كونها واحدة من أكثر اقتصادات القارة ازدهارًا، ومع ذلك، فإن الغضب الشعبي من السياسات الحكومية يخيم منذ فترة طويلة بين المواطنين التشيليين الذين يشعرون بالإحباط تجاه تزايد عدم المساواة في الدخل وضعف شبكة الأمان الاجتماعي، بما في ذلك المعاشات التقاعدية الضئيلة.

ورصد تقرير لوكالة بلومبرج الإخبارية الأسباب التي أدت لهذا الوضع في تشيلي. وقال التقرير إن زيادة قدرها 30 بيزو (0.04 دولار) في سعر تذكرة المترو أدت إلى اندلاع أسوأ اضطرابات منذ عودة البلاد إلى الديمقراطية في عام 1990. وأعلن الرئيس سيباستيان بينيرا حالة الطوارئ واستدعى الجيش للتدخل، كما تراجع سريعا عن رفع السعر المقترح، لكن العودة إلى الحياة الطبيعية قد تستغرق وقتًا أطول مما هو متوقع.

فما الذي أشعل الاحتجاجات؟

في 6 أكتوبر، رفعت شركة مترو دي سانتياجو، وهي المسؤولة عن تشغيل مترو الأنفاق في العاصمة، أسعار تذاكرها إلى ما يصل إلى 830 بيزو (حوالي 1.15 دولار) خلال ساعات الذروة وذلك بعد أسابيع فقط من إعلان الحكومة عن زيادة بنسبة 10% في فواتير الكهرباء. وتصاعد الغضب العام بعد أن اقترح وزير الاقتصاد خوان أندريس فونتان أنه يجب على العمال النهوض في وقت مبكر إذا كانوا لا يريدون دفع أسعار أعلى. وأظهرت دراسة أجريت هذا العام أن العديد من الأفراد في سانتياجو يقومون بتنقلات تصل إلى ساعتين للوصول إلى وجهتهم. وتسبب ذلك القرار في إشعال فتيل الاحتجاجات وإلحاق الأضرار بوسائل النقل العام في جميع أنحاء البلاد.

من يقود الاحتجاجات؟

لا أحد.. وهذا ما يجعل التعامل معها صعب للغاية. فالحركة التي خرجت إلى شوارع المدن الرئيسية في جميع أنحاء تشيلي بلا قيادة وتنظم نفسها إلى حد كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يوجد ممثل لهذه الحركة الاحتجاجية للتفاوض مع الحكومة. وسرعان ما بدأ المتظاهرون- الذين تتنوع أفكارهم ما بين البرجوازية الساخطة والفوضويين الذين يرتدون ملابس سوداء- في التنفيس عن غضبهم من النخبة والسياسيين والنموذج الاقتصادي للسوق الحرة الذي أنتج ثروة هائلة وانتشل الملايين من الفقر، لكنه ترك الكثيرين أيضا من الأفراد يكافحون من أجل لقمة العيش.

ما هي خطة بينيرا؟

تعاملت الحكومة مع أعمال الشغب والعنف في البداية من ناحية تتعلق بالقانون وفرض النظام العام، وهو نهج زاد الأمور سوءًا. ومع ذلك، وفي خطاب متلفز في 22 أكتوبر، اعتذر الرئيس بينيرا عن فشله في إدراك المظالم الحقيقية وراء الاحتجاجات، وأعلن خطة جديدة للارتقاء بالأوضاع الاجتماعية. واقترح زيادة المعاشات التقاعدية وإجراءات أخرى. وقال إن الحكومة تعمل على تطبيق نظام للتأمين الصحي لتخفيف التكاليف، وسوف تسعى لخفض أسعار الأدوية وتجميد الزيادات في رسوم الكهرباء. كما وعد بخفض رواتب أعضاء البرلمان، وخفض عددهم والحد من إعادة الانتخاب. وفي هذه الأثناء، قدّر مشغل المترو تكلفة الأضرار التي لحقت بنظامه بأكثر من 300 مليون دولار.

عامل الوقت يضغط على الرئيس

ومن المقرر أن يحضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ وقادة العالم الآخرون قمة آسيا والمحيط الهادئ في سانتياجو يومي 16 و17 نوفمبر المقبل، وهو ما يؤكد أهمية التعجيل بحل الأزمة. ولا يسيطر بينيرا وحلفاؤه على البرلمان، وقد يفتقر الآن إلى دعم المجلس التشريعي لتنفيذ خططه الجديدة، والتي تتضمن إصلاحات ضريبية تهدف إلى تعزيز الاستثمار والنمو. ويمكن أن تحدد الانتخابات المحلية والإقليمية المقرر العام المقبل ماذا سيحدث، لكن من غير المتوقع أن تجري تشيلي انتخابات رئاسية حتى نهاية عام 2021. ومن المرجح أن يحث السياسيون، من تحالف بينيرا نفسه، على زيادة الإنفاق الاجتماعي مع اقتراب عام 2021، في إطار السعي للظفر بفرصهم في الانتخابات.

 

كيف وصلت تشيلي لهذا الوضع؟

تعد تشيلي، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 18 مليون نسمة، واحدة من أسرع البلدان نمواً في أمريكا الجنوبية منذ سنوات وفقًا للبنك الدولي. وفي حين أن البلاد قطعت خطوات كبيرة في الحد من الفقر على مدى العقود الأخيرة، إلا أن العديد من التشيليين يعانون من أعباء الديون والقروض، كما إن مستوى عدم المساواة في الدخل واحد من أعلى المستويات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تضم 36 دولة، معظمها من الدول الغنية. إضافة إلى ارتفاع الديون الأسرية وانخفاض معدل الادخار، في حين أن إعانة البطالة والمعاشات التقاعدية تحتل المرتبة الدنيا في نطاق الدول الغنية في العالم. وفي الوقت نفسه، لم تقدم الأحزاب السياسية أي جهد يذكر فيما يخص التعامل مع حالة السخط العام. ولدى التشيليين أدنى مستويات المشاركة المدنية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفقًا لما يسمى "مؤشر الحياة الأفضل" للمنظمة.

تعليق عبر الفيس بوك