أفلام قصيرة ترصد الواقع المصري


د.عزة القصابي
ضمن سلسلة أفلام حرصت الجمعية العُمانية للسينما على عرضها كل أربعاء، جاء اختيار خمسة أفلام من جمهورية مصر العربية، تضمنت قضايا اجتماعية وسياسية ودينية تعبر عن الواقع المصري وفق رؤية فنية.
يتصدر فيلم "تحية طيبة وبعد" قائمة الأفلام الدرامية المُقدمة، وهو من سيناريو وإخراج جون أكرم، وتدور أحداث الفيلم حول رجل معتدل دينيا، يتلقى رسائل من مصدر مجهول، يتضح بعد ذلك أنَّ المرسل هو شاب فقير يُعاني من تدني مستوى المعيشة. وحرصت كاميرا الفيلم منذ البداية على اقتناص اللقطات الفليمية، عبر مشاهد سريعة رصدت واقع المجتمع المصري، ابتداءً من رجل الدين (المتعصب)، والذي تقابله سيدة مسيحية، تضع صورة السيدة العذراء بجانبها. وفي خضم الأحداث يخترق رجل تبدو ملامحه غريبة، وهو يتلقى رسائل من مصدر مجهول.جميع ذلك ساهم في إثارة التشويق لدى المشاهد لمعرفة حقيقة شخصية هذا الرجل، وخاصة بعد تلقيه رسالة موجهة إلى (الله عز وجل)؟!
وقد يتساءل المشاهد ما علاقة هذا الرجل بالشخص الآخر الذي يدعى محروس عبدالله ؟-ولماذا كانت الرسائل ترسل إليه هو تحديدا؟ وعندما لم تصل إليه أي رسالة، بدأ بكتابة رسالة استهلها بقوله " تحية طيبة وبعد " ولكنه لم يكملها، وسرعان ما قام بتمزيقها! دون شك، الفيلم يعتمد على الصورة البصرية التي تكشف الواقع المصري، بمختلف أيدولوجياته وأطيافه مع تكثيف الفعل الدرامي، عندما ركز المخرج على رموزه وشخصياته عبر لقطات قصيرة...نظرا لأنَّ زمن الفيلم لم يتجاوز إحدى عشرة دقيقة. واستطاع هذا الفيلم أن يطرح مجموعة من الأسئلة المفتوحة، ولكنه لم يقدم نتائج، ولا حلول، مركزا على تفاصيل الصورة البصرية، وتعابير وجوه الممثلين الذين عبروا عن مفردات النص برؤية سينمائية بصرية يصعب تجاهلها.
ومن الأفلام الدرامية المعروضة فيلم "صابرة"، سيناريو وإخراج أحمد عادل، ويتحدث عن امرأة متزوجة تعاني العنف والقسوة من زوجها المُتسلط. وتمكن كاتب السناريو ومخرجه من التملص من الحوار السردي، وبدلا عن ذلك قام بتوظيف (عين الكاميرا) لاستنطاق الحالة النفسية لبطلة الفيلم. وتمكنت الكاميرا من اقتناص لحظات الألم والمعاناة التي تعيشها البطلة، مشفوعة بالمؤثرات الصوتية:(خطوات أقدام الزوج، وصرير الباب، رنين الهاتف، هدير الموج، صوت البندقية). كما وظفت الموسيقى الحية، حيث ظهر عازفا الكمان. وساهمت الموسيقى التسجيلية في التعبير عن حياة صابرة، التي كانت تعاني الكثير، ولكنها رغم ذلك ظلت صامتة وصامدة.
استمر الفيلم في رصد مأساوية حياة الزوجة، كونها شخصية تراجيدية، ظلت تعاني من سادية زوجها المرضية!...وحاولت الخروج من واقع الحياة المتأزم. وفي النهاية، لجأت صابرة إلى القانون في محاولة للتخلص من الظلم الاجتماعي الواقع عليها، ولكنه لم ينصفها!
وقدم فيلم (الشك) من إخراج وسيناريو أحمد نور، وهو عبارة عن دراما اجتماعية تدور أحداثها خلال تسع دقائق. يستأنف خلالها الفيلم حكاية (الشك) المقترنة بالغيرة، والذي ناقشته العديد من الأفلام السينمائية والمسرحية على حد سواء.
يحكي الفيلم قصة زوجين، كانا يعيشان حياة زوجية غير مستقرة بسبب الزوج الدائم الشك، والذي يظل يلاحق زوجته، ويبحث في تفاصيل حياتها عن دليل يدينها، ويؤكد صحة شكوكه المرضية والذي يسيطر على مخيلته. وتأزمت الأحداث عندما وقع سوء الفهم حول الأمانة التي وضعت لدى الزوجة في صندوق كان يحتوي على مقتنيات إحدى قريباتها، وضعته لديها بصفة مؤقتة...ولكن من سوء الحظ أن عثر الزوج على الصندوق!والذي كان ينتظر أي دليل لينتقم من زوجته لتكون نهايتها التراجيدية بقتلها خنقاً!!
حاول مخرج الفيلم وكاتبه اختزال القصة أحداث الفيلم القائمة على الشك بين الزوجين، ورغم أن هذه النوعية من الأفلام لا تحتمل الاختزال، لكون القصة يجب أن تتضمن الكثير من التفاصيل التي يصعب وضعها في قالب الفيلم القصير، وهي تناسب حبكة الأفلام الطويلة، نظرا لاحتوائها على الكثير من التفاصيل والأحداث والشخصيات.
ومن الأفلام الدرامية (مجرم سينما) الذي يمكن تصنيفه ضمن قائمة أفلام الدراما التسجيلية التي ترصد حالة الإعاقة. وتضعها أمام الكاميرا لتتحدث عن ذاتها، وتقدم قضيتها، ولقد وقف الفنان ومخرج الفيلم أمام الكاميرا ليتحدث عن تجربته، ويتساءل كيف يمكن أن نصنع من المعاق إنسانا مبدعا ؟...وهذا يتحقق من خلال الإرادة التي جعلت الفنان أحمد السمان، يتحدث عن واقعه.
ناقشت قصة الفيلم قضيتين مؤثرتين (الإعاقة، والتعبير عبر السينما) عبر حوار سردي جاء على لسان المعاق، والذي أكد أهمية دعم المجتمع والأسرة له، وانتشال موهبته ودعمه ومساندته...للتعبير عن ذاته.
 واستكمالا للأفلام الوثائقية قدم فيلم (إرادة الروح) وهو من الأفلام القصيرة ذات الطابع الوثائقي، من إخراج منار توحيد الزهيري. تعرض الفيلم إلى حالات واقعية تمثل الإعاقة الذهنية والجسدية والتي لازمت الشابين منذ مرحلة الطفولة.
ويوضح الفيلم من خلال السرد الحواري والبصري، أنَّ الأسرة والمُجتمع هما السند الأول للمُعاق، فالأسرة والمحيطون به، هم من ينتشلونه من الإعاقة والعجز، وصولاً إلى مرحلة الإبداع والشهرة، فنجد شخصية المعاق الشاب، يصبح مذيعاً لإحدى القنوات الأجنبية، بينما أصبحت الشابة المعاقة بطلة مصر في السباحة.
هكذا تنوعت مضامين الأفلام المصرية القصيرة، مُقدمة لقطات سريعة عن الواقع المصري، والعالم العربي. وتبقى الأفلام القصيرة محل نقاش وجدل في مدى قدرتها على استيعاب قضايا المجتمع، وإبرازها أمام عين الكاميرا.

 

تعليق عبر الفيس بوك