ماذا نأملُ من مجلس الشورى؟!

 

د . صالح بن هاشل المسكري

Sh-almaskry5@hotmail.com        

 

بعد أيام قليلة سوف تنطلق انتخابات مجلس الشورى للفترة التاسعة، وقد شحذ المعنيون هممهم، وشيدوا طموحهم وتطلعاتهم، وكتبوا على السحاب آمالهم لعلها تُمطر ما يأملون، سواء المترشحون للانتخابات الذين يأملون في مشاركة سياسية ناجحة وقدموا برامج انتخابية واعدة أو الناخبون الذين يتطلعون إلى مجلس قوي يخدم المصلحة العامة أو المنظمون الذين استعدوا لهذا الحدث الوطني الهام منذ سنوات ويأملون في نجاحه وتطوره.

 ولا شك أن المجتمع يُعوّل على المترشحين الجُدد في حمل الأمانة وتحمّل المسؤولية النيابية الوطنية وليس المناطقية أو العشائرية، مع السعي إلى تفعيل الاختصاصات والصلاحيات التي نص عليها النظام الأساسي للدولة وتطويرها باقتراح قوانين مكملة تُحسّن من أداء المجلس وتقوي مكانته بين السلطات العامة للدولة، من أجل أن يأخذ المجلس بزمام المبادرة والمساهمة الفاعلة في إدارة شؤون البلاد والمشاركة في مختلف الملفات، وعدم التفريط في أي اختصاص منحهُ إياه النظام الأساسي للدولة وإن واجه صعوبات وعراقيل مع أطراف أخرى، فالاختصاص حق دستوري والحقوق تنتزع بالحكمة والحوار البنّاء ولا توهب.

وعلى المجتمع الذي اختار ممثليه في مجلس الشورى أن يواصل الدعم والمساندة ولا يكتفي بالانتخاب فقط مدفوعاً بالزخم الإعلامي وبأشياء أخرى ثم يتراجع إلى الوراء، فالأمانة ليست في التصويت فحسب إنما في مواصلة العطاء وفي دفع المشاركة السياسية لوجهتها الصحيحة سواء من الناخبين أو الأعضاء أو الحكومة، وعلى أفراد المجتمع أن يتعاونوا مع ممثليهم ويسهّلوا مهمتهم من خلال مدّهم بالمعلومات الصحيحة والمقترحات والأفكار الجيّدة التي تدعم نشاطهم وتقوي حجتهم وتؤكد على ميزة التعاون والشراكة بينهم وبين الحكومة من أجل إسهام الجميع في دعم القرار السياسي للدولة، ومن أجل أن يكون من حق الناخبين بعد ذلك أن يقيّموا ممثليهم ويحاسبوهم بل ويسحبوا عنهم الثقة في الفترات التالية إن وجدوا فيهم ضعفاً أو تقاعساً عن أداء الواجب الوطني.

هذه هي المشاركة السياسية الحقيقية للمجتمع وليس مجرد التصويت ثم الاختباء وراء سواتر النقد الجارح والتشهير وتوقع النتائج السحرية وتحقيق المصالح الشخصية.

مجلس الشورى في فترته الثامنة بذل جُهدا يستحق معه الإشادة والشكر ومارس أغلب صلاحياته رغم المعوقات التي واجهته والتي نرجو أن يتغلب عليها ويجتازها في فترته التاسعة القادمة، وهي صلاحيات جدّيّة رغم أنها تختص بالوزارات الخدمية دون غيرها من الوزارات والجهات السيادية، والتي اتسعت رقعتها في الخارطة السياسية للبلاد رغم عدم وجود نص دستوري يحسم المسألة السيادية ويحدّد ما هو خدمي وما هو سيادي واصبح كل ما يخص الجهات السيادية أو أغلب ذلك لا يمر بمجلس الشورى بما في ذلك القوانين واللوائح والأوامر الإدارية وهذا فهم مغلوط.

إلاّ أنه مع هذا تبقى هذه الحزمة من الاختصاصات والصلاحيات خطوة في الاتجاه الصحيح وتحقق جانباً من طموح المرحلة الحالية وربما تحتاج من بعض الجهات إلى وقت لاستيعابها وتفعيلها للانتقال لمرحلة أكثر توسعاً وحساسية، حيث لا تزال الصلاحيات الحالية تعمل بأقل من طاقتها نتيجة عوامل معروفة لعل من بينها ضعف المردود العملي المستند إلى دراسات علمية وبيانات دقيقة من مجلسي الشورى والدولة، وعدم وجود مراكز دراسات مستقلة تدعم نشاطات الأعضاء وتمكنهم من متابعة مختلف القضايا والملفات.

ومن بين أهم المعوقات التي واجهها الأعضاء في الفترة الثامنة تلك المتصلة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات الحكومية، وأصبح من الأهمية بمكان في الفترة القادمة أن تضع الحكومة يدها في يد مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى ليقررا معاً وينهضا بالمصالح العليا للبلاد بعيداً عن تبادل اللوم والعتب، وأن يبذل كل طرف أقصى جهد ممكن لسد الفجوة وتقليص المسافة التي كانت سبباً في سوء الفهم والتنسيق بينهما، وتسببت في تعطيل بعض المصالح والمشاريع الوطنية الهامة.

والحق يقال أنّ أعضاء المجلس في الفترة الثامنة كانوا من أفضل الأعضاء جدارة وجسارة وكفاءة علمية منذ فترات، والأمل في أن يكون أعضاء الفترة التاسعة أكثر نزاهة وإخلاصاً وتجرداً من المصالح الخاصة للمصالح الوطنية العامة.

وإن كانت هناك من أمنيات نعلقها على مجلس الشورى في الفترة القادمة فهي:

  •  أن يبذل المجلس أقصى طاقته ويضع ثقله كاملاً في تفعيل الاختصاصات التشريعية والمالية والرقابية التي كفلها له النظام الأساسي للدولة، وأن يقارع الحجة بالحجة الصحيحة والمعلومة الدقيقة بمثلها في حواره مع الحكومة والقطاعات الأخرى بعيدا عن الحدّية المفتعلة والتشنج المصطنع وإثارة المجتمع وفي هذا ثقافة وطنية عامة تستفيد منها أجيال الشباب، ولا يكتفي المجلس بالوقوف عند عتبات السلطات الأخرى أو عند حدود النصوص الدستورية، إنما عليه أن يعمل على تفسير هذه النصوص بما يمكنه من توسيع نطاق صلاحياته وفتح مجالات أخرى للمشاركة السياسية، ولديه من الكفاءات العلمية والقانونية واللغوية ما يؤهله للقيام بذلك سواء من الأعضاء أو من الأمانة العامة للمجلس.
  • وأن يعمل المجلس على إقناع الجهات ذات الاختصاص بضرورة تطبيق نظام الرقابة على الدستورية القوانين في أسرع وقت ممكن لأهمية هذا النظام فلا يُتصوّر أن تكون هناك دولة مؤسسات يحكمها دستور ولديها سلطات عامة ولا يوجد بها نظام للرقابة على الدستورية يتولى حماية دستور البلاد ويفك الاشتباك بين السلطات إن حصل ويحمي الحقوق والحريات العامة، ولا أريد أن أتوسع في هذا الموضوع فقد كتبت فيه أكثر من عشرة مقالات، إلاّ أنّ الصمت لا يزال يعم الجميع ولا أحد يريد لهذا الموضوع أن يتقدم خطوة للأمام، خاصة من جهة السلطة التنفيذية أي الحكومة، والسلطة القضائية التي منحها القانون هذا الإختصاص منذ عشرين عاماً ولم تُحرك ساكناً.
  • وأن تبادر الهيئة البرلمانية الى المساهمة في نشر ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية الصحيحة في المجتمع العماني الشاب، وتقديم توعية وطنية ميدانية حول العمل البرلماني، فقليل هم الناس الذين يعلمون بعض مهام واختصاصات مجلس عمان، وكثيرون الذين لا يعرفون مجرد أين تقع هذه المؤسسة وما هي مكانتها في النظام السياسي العماني، ولدى الهيئة البرلمانية (مجلس عمان) رصيد من الكوادر العلمية عالية المستوى سواء التي لا تزال موجودة أو التي أخذت فرصتها وعادت إلى حياتها الخاصة.
  • وأن يقوم المجلس ببحث مستقبل الجاليات والعمالة الموجودة في السلطنة وتحديد حقوقها وواجباتها، والمساهمة في مراقبة تدفقها الهائل بعد أن أصبحت تشكل 45% من إجمالي السكان وأكثر من 62% من سكان العاصمة مسقط، والسماح فقط بقدوم الكفاءات التي تضيف قيمة حقيقية للمجتمع، خاصة أنّ هذه الجاليات باتت تشكل ضغطاً على الاقتصاد المحلي الضعيف أصلاً وتعبث في النسيج الاجتماعي الوطني من خلال الدخول مع العمانيين في استثمارات صغيرة ومتوسطة أو بطريق التجنيس أو الزواج.
  • وأن يجري المجلس دراسة واقعية حول مشاركة المرأة العمانية (التي تحتفل في 17 أكتوبر من كل عام بيوم المرأة العمانية) في الحياة السياسية واقتراح وسائل عملية قابلة للتطبيق تساعدها للانضمام لعضوية مجلس الشورى بطريق الانتخاب سواء بتخصيص مقعد تتنافس عليه المرأة فقط في كل محافظة 11 امرأة يمثلن 11 محافظة، أو بتخصيص 10 مقاعد تتنافس عليها المرأة عموما في كافة أنحاء السلطنة وتحظى العشر الأوائل بالعضوية في مجلس الشورى، مع الأخذ في الاعتبار أن المرأة متواجدة في المؤسسات الحكومية بنسبة تزيد عن  47% وفي مجلس عمان 20% وأكثر من 22% في القطاع الخاص حسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

أخيراً نقول أنّه على أعضاء مجلس الشورى القادمين أن يشحذوا هممهم العالية ويشغلوا مولدات الطاقة المتجددة لديهم ويفعّلوا الاختصاصات المتاحة للمجلس، ويبتعدوا عن التدافع وتجاذب الصلاحيات مع زملائهم أعضاء المجالس البلدية فلكلٍّ مجاله وفضائه، ولا يشتتوا أفكارهم بالتطلع الى صلاحيات أوسع، لأن ذلك يتطلب تعديلاً دستورياً آخر، وهذا لا يمكن تحقيقه في المستوى المنظور حفاظاً على ديمومة النظام الأساسي للدولة وقوته واستقراره.