"عمان 2020": 70% من النجاح أم التعثر؟

 

د. سيف بن ناصر المعمري

فجأة وبدون مقدمات وبعد أن نسي الناس والمؤسسات والحكومة "رؤية عمان: 2020"، ونزعوا كل آمالهم من على مشاجِبها، تحدث سعادة نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط عن هذه الرؤية، وقلب بذلك المواجع، وآثار المخاوف؛ حيث قال سعادته بدون تردد "حققنا نسبة 70% من أهداف رؤية عمان: 2020"، وذلك في جلسة طلابية حوارية في جامعة السلطان قابوس.

كنت أتمنى ألا تكون الجامعة وهي المكان العلمي البحثي مكانا لإطلاق هذا التقييم، فهي يفترض المكان الذي يحاكم فيه الباحثون الادعاءات ويفندونها بموضوعية، وأمانة، ولا أعرف إن دار في هذه الجلسة، نقد لهذا التصريح أم لا، ولكنه تصريحا يتطلب التفنيد حرصا على ألا يتحول إلى حقيقة من جانب واحد.

الواقع يقول إن وضع هذه الرؤية ملتبس وبعض المسؤولين الحكوميين- يتفادون الحديث عنها، وهم- كما يدرك الجميع- لا يتفادون الحديث عن أي نجاحات مهما كانت متواضعة، فما بالكم بالحديث عن تحقق 70% من هذه الرؤية والذي اكتشفناه الأسبوع الماضي، وهو أقوى تصريح اقتصادي في هذا العقد الذي نحاول جميعا فيه أن نتلمس النور لأقدامنا لكي لا نسقط في ضبابية مثل هذه التصريحات، بعد أن تعاظمت أمامنا التحديات والصعوبات المختلفة التي كان يفترض من هذه الرؤية أن عالجتها ولكنها لم تفعل.

هذا الجانب المتعلق بإنجاز الرؤية وثقته الكاتبة وضحاء شماس في مقالة نشرتها لها مجلة مواطن في 11 مارس 2019، بعنوان "رؤية عُمان: والسيناريو المسكوت عنه"، وذكرت الآتي: "في تاريخ 7 مايو 2018 عدت من الجلسة العامة لرؤية عمان 2040.. تضمنت الجلسة.. مجموعة من التساؤلات الجماهيرية التي كانت تحاول أن تفتح ملف رؤية 2020 قبل الولوج إلى رؤية جديدة.. وفي المقابل كانت الجلسة تحاول تجاهل الرؤية والدعوة للتركيز على الرؤية المستقبلية"، ولكن ما جرى كان بخلاف ما كانت تتوقعه الكاتبة وغيرها من الحضور "تملص بعض المستضيفين في الجلسة العامة من الإجابة عن التساؤلات". سنحاول أن نربط بين هذا التملص، وتصريح سعادته في الأسبوع الماضي، ونطرح أسئلة علها تساعدنا على الفهم: لما كان التملص عن سرد هذه النسبة الكبيرة من الناجح على هؤلاء الشباب المتلهفين للمشاركة في بناء مستقبلهم ولكنهم يريدوا أن يطمئنوا على ما جرى في الرؤية السابقة؟

أليست مفارقة كبيرة غير قابلة للفهم، والرؤية ناجحة، أهي سياسة الصمت التي يتكلم عنها بعض المسؤولين، أم هي سياسة التواضع عن سرد الإنجازات، لكن مثل هذه الافتراضات تهاوت الأسبوع الماضي على لسان سعادته؟ لكنّها جاءت قفزة كبيرة جدا جدا فوق الواقع، وفوق حجم الإنجاز في هذه الرؤية، التي لم يتفق المختصون والمسؤولون والناس على شيء كما اتفقوا على "فشلها في تحقيق أهدافها". وهذا ليس حكما إنشائيا خطابيا كما سيتضح من خلال ما سأورده في هذا المقال من بعض المؤشرات الموضوعية والبحثية التي خرج بها المختصين من تقييم هذه الرؤية، وهي متسقة ولا يوجد بها اختلاف أو تباين.

كيف نفهم هذا التقييم لمستوى نجاح رؤية "عمان 2020" في ضوء كثير من التحليلات المعاكسة التي ظهرت من كتاب ومحللين ورؤساء تحرير صحف محلية عرف عنهم دائما النظرة الإيجابية والتفاؤل في وزن مثل هذه الخطط والسياسات من أمثال حاتم الطائي رئيس تحرير صحيفة الرؤية الذي قارن في مقال نشر بتاريخ (26 يناير 2019)، له بعنوان "2040.. المستقبل الآن" بينها وبين رؤية "عمان 2020"، وأكد أنّ "رؤية 2020 والتي أوشكت على الانتهاء لم تحقق جميع ما كانت تصبو إليه من تطلعات، بل إنها لم تستطع بلوغ نسب متوسطة في عدد من المجالات". كما ذهبت دراسة نشرها مركز الخليج لسياسات التنمية بعنوان "رؤية عمان 2020: بين الواقع والمأمول" في عام 2017م لإثنين من المتخصصين في الاقتصاد الأول د. سعيد الصقري، والثانية هي آن الكندي وكلاهما له مقالاته ودراساته المتعددة المركزة على الاقتصاد العماني في العقد الأخير، وخلصا في دراساتهما إلى نتائج تعاكس ما جاء في تصريح سعادته، حيث جاء فيها أن الأرقام تؤكد على "الإخفاق في تحقيق الهدف الأول وهو تنويع قاعدة الإنتاج وتقليل الاعتماد على النفط، بل يمكن القول إن الاعتماد على النفط قد ازداد، والنظر إلى الهدف الثاني وهو تحقيق التوزان بين مصروفات ودخل المال العام.. الأرقام تشير إلى زيادة المصروفات الحكومية (مما) فاقم من الحجز العام، وأفضى إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن تحقيق هذا الهدف". ومضى الباحثان في تقييمهما المدعم بالأرقام والإحصاءات إلى تتبع مدى تحقق أهداف الرؤية واحدا وحدا، وأضافا "كما لا تبدو فرص تحقيق الهدف الثالث واعدة بدورها وهو الهدف الخاص بتنمية الموارد البشرية من خلال التعليم والصحة، وضمان استقرار دخل الفرد عند مستواه الحالي كحد أدنى". ومن وجهة نظرهما أن الهدف الرابع وهو تطوير القطاع الخاص ليقود عملية التنمية والنمو الاقتصادي، لم يتحقق أيضا، وأكدا أنه من غير المتوقع "أن يتمكن القطاع الخاص من قيادة التنمية.. في العمر المتبقي من رؤية 2020، وقد أثبتت التجربة أن القطاع الخاص لا يعد الموظِف الأساسي للباحثين عن عمل، كما لا يمتلك القدرة على احتواء الأعداد المتخرجة من المراحل التعليمية المختلفة أو حتى أولئك المتسربين منها"، ودللا على ذلك بمثال لا يمكن تجاهله في مثل هذه النقاشات وهو استيعاب الشباب الباحثين عن عمل في 2011 في القطاع العام والقطاعات العسكرية وكان ذلك بعد مضي العقد من الأول من تنفيذ رؤية عمان 2020.

خلاصة القول إن حكم سعادة الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط حول "رؤية 2020" بأنّها حققت 70% من أهدافها ونجحت، يخالف كل هذه القراءات والتحليلات للباحثين في مجال الاقتصاد سواء كانوا أكاديميين أم إعلاميين، والذين لم يصنفهم أحد بأنهم يحملون وجهات نظر متشائمة أو ضد الحكومة وسياساتها. وهنا يتساءل كثيرون حول هذا التصريح: هل أخطأ سعادته في تصريحه؟ وأنه كان يود أن يقول شيئا آخر هو أن نسبة الفشل في تنفيذ رؤية "عمان: 2020" بلغت أكثر من 70؟ أم أن الإعلام أخطأ في نقل تصريح سعادته؟ إن كان لا يوجد خطأ فإنّ هناك محاولة لنقل صورة مخالفة للواقع، وواقعنا نعرفه جميعا، ويتطلب المسؤولية والشفافية والمسؤولية خاصة من المشرفين على تنفيذ هذه الرؤى الاستراتيجية، بل إنّ هذا مؤشر خطر على رؤية "عمان 2040" التي سوف يبدأ العمل بها العام المقبل، وليس على رؤية "2020" التي سوف تدفن قريبا بكل أهدافها والأموال التي صرفت على إعدادها، وتتحول إلى تاريخ مؤلم لنا، لأنها أول رؤية استراتيجية على مستوى دول الخليج، لو نجحنا في تنفيذها لجنبتنا كل هذه الإشكاليات والتحديات التي أجلنا مواجهتها 20 عامًا، وتركناها لهذا الجيل لكي يتحمل زوابعها وتبعاتها المختلفة.

***********************************

وكم كان الشاعر العربي محمود درويش عميقا حين قال:

مختلفون حول النسبة المئوية والعام والخاص

مختلفون على كل شيء لنا هدف واحد: أن نكون

ومن بعده يجد الفرد متسعا لاختيار الهدف