أراد التونسيون الحياة فاستجاب القدر!!

 

سارة عثمان

 

كيف تقدّم ربيعهم، واستبطأ ربيعنا، واستمرأ خريفنا.. هل صدق (الشابيّ)، وكذب شعراؤنا؟ هل صدقت سيوفهم، وخرصت كتبنا، وطاشت شعوذات مُنجِّمينا، كما قال أبو تمام؟

هل تأخر أملنا مع الزمن؟ أم نحن معه على موعد طال أو قصر، أم نحن سلكنا الدرب الخطأ، وغُرِّر بنا، فأثمرت غِراس التونسيين، واستحال حرثنا حطاما!!، وهل استعجلنا جني الثمار وقطاف النتائج فعُوقبنا بالحرمان، وهم صبروا فآتت شجرة ثورتهم أكلها وأينعت ثمارها؟!!

ولا يستطرد سطحي فيقول: (هذا كلام مخالف للشرع)؛ فالشرع يقول: "إن يريدا إصلاحا يوفق الله"، ويقول: "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم".. فالحياة تؤخذ غلابا بإرادة وجِدٍ وعمل وتضحيةٍ، ثم يؤازرها القدَر وتحوطها السماء برعايتها.

لكن هذه النبتة/الثورة التونسية المبشرة يخشى أن يتمالأ عليها أبناء من أمتها، والمنسوبون لعروبتها ممن تمالئوا على ثورة سوريا فسلحوها، وهبّة ليبيا فشرذموها، وثورة مصر فلطخوا سمعتها، وقصموا ظهر فتوتها، واستمالوا ضعفاء نفوسها فأحالوا ربيعنا خريفا، وجنة مستقبلنا جحيما؛ فأماطوا اللثام عن وجوه جميلة وقلوب دميمة، وأحقاد دفينة، لا يريدون لبازغة أمل في الحرية أن تشرق، يخشون زوال مدن الملح المهددة المبددة (آجلا أم عاجلا)، ويأبون أن تستطعم شعوبنا مذاق الحرية فتطير عدواها إلى أبنائهم فتتهاوى ممالكهم المتآمرة تباعا، كبيت العنكبوت وتهافت الفراش.

نحن لا نريد ترفا، ولا نبتغي جنات عدنٍ على الأرض، إنما نبغي حرية تقدح شرارة الإبداع والتطوير والتحديث فنخرج من الأجداث وظلمة القبور إلى المدنية والحضارة والنور، فنصنع دواءنا وغذاءنا وسلاحنا، ونفتح لنور العبقرية والاكتشاف والصناعة أبوابنا، وندير بدستور الحق والحقيقة أوطاننا، واستعادة مقدرات بلادنا من أيدي أعدائنا.

تا لله ما مرت من قبلُ علينا مثل هذه الأيام والسنون ونحن نرزح تحت نير الاحتلال نقاوم ونداوم، ونستل من بين أنيابه حرياتنا؛ وقد وعى المحتلون الدرس ولم نعه.. فجعلوا أغلالنا في أيدينا بأيدينا، وانتقوا جلَّادينا من بني جلدتنا، وتخيروا سجّانينا من أسباطنا وأحفادنا، وسلطوا سيوفنا على رقابنا، تجتثها بدماء باردة، فلا ترقب فينا إلًّا، ولا ترعى لنا ذِمًةً، ولا تحفظ لنا عهدا، ولا تفي لنا وعدا، ولا تحقنا لنا دما، وأوكلوا إلى سحرة فرعون الكذابين والمكذبين أمورنا، فأفتوا بقطع رؤوس الثائرين، وألسنة المتكلمين الحالمين، وسجن الصامتين، ونعتونا بالخوارج والمرجفين.

ولكن.. هاهي تونس قد أرادت الحياة فلبّى القدر، وتوشك شعوب بعدها وأوطان أن تستنقذ حياتها من جلاديها.. فإما حياة وإلا فصبر على الحق.. صيرا جميلا. وأخيرا أقول: غدا لناظره قريب وسيلحق آخر الركب بأوله (لبث قليلا يدرك الهيجا جمل)، وتتبع الراية رايات أخر.. وإذا أطمى هدير الشعوب فلا قِبلَ لهم به إلا أن يحقق ما يريد.

تعليق عبر الفيس بوك