العراق.. عودة لسيناريو التغيير من الخارج!

 

جمال الكندي 

المظاهرات الشعبية اليوم في العراق وقبلها في مصر وسوريا واليمن والسودان والجزائر أوجدت قاعدة لم تكن في حسبان رجال السياسة في هذه البلدان، وهي التغيير من الداخل بواسطة الحراك الشعبي، ولكن هذا الحراك في بعض مراحله يكون مسيراً من الخارج، وهنا نحن لا نقول إنّ مجمل هذا الحراك توجهه أجندات وقوى خارجية، ولكن في أغلبها وطنية المطالب بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والفساد المالي والإداري.

مظاهرات العراق هي كغيرها من المظاهرات الشعبية التي تطالب بالتغيير وتحسين الأوضاع المعيشية تبدأ سلمية ثم تخترق- إن صح التعبير- ممن يريدون العبث بالأمن القومي العراقي وله أجندته الخاصة المسيرة من الخارج، والسيناريوهات التي رأيناها في سوريا وليبيا وانتهت بخلق مناخ الصدام العسكري مع السلطة دليل على دخول أيادي العبث الخارجي تحت ذريعة الإصلاح سواء كان سياسياً أو اقتصادياً.

هنالك معطيات سياسية واقتصادية ومعيشية توجه دفة المتظاهرين العراقيين، وهي محقة وتقوم الحكومة العراقية بتغييرات على الأرض ربما ترضي الشارع العراقي وقد لا ترضيه، في المقابل هنالك من يتابع هذه المظاهرات من الخارج، ويحاول تسييرها إلى غير اتجاهها الصحيح، فهي الوسيلة المناسبة لتغيير سياسة العراق الخارجية مستغلة الفساد والقهر والبطالة التي يعاني منها الشعب العراقي لتجييش هذا الشارع ضد حكومته مما يؤدي إلى الفوضى التي عن طريقها يتدخل من لا تعجبهم السياسة العراقية الحالية.

ما يحصل في العراق هو عبارة عن جماهير مقهورة بسبب الوضع الاقتصادي والفساد المالي والإداري الذي ابتليت به بلاد الرافدين بعد زوال نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وإذا أردت أن تعلم مدى تفشي الفساد اليوم في العراق وغياب أبسط الحقوق الخدمية لهذا الشعب استمع إلى العراقي البسيط الذي يترحّم على نظام الرئيس صدام حسين ويقارنه بالوضع الحالي ويقول: "ديكتاتور يحكمني ويعطيني أبسط حقوق الحياة أفضل ممن يتشدقون بحقوق الإنسان ولا نرى منهم شيئا".. إنّها أكبر مشاكل العراق في ظل التعددية السياسة والمحاصصة الطائفية في إدارة هذا البلد.

هذه التربة الخصبة هي التي تسهل خروج المظاهرات في العراق وهي محقة في خروجها، ولكن هنالك أسئلة يحق للمتابع للشأن العراقي أن يسألها: لماذا هذه المظاهرات تبدأ سلمية وتنتهي بدماء تسيل؟! ومنشآت تدمر؟! والسؤال الثاني: هل هذه المظاهرات لها رؤية سياسية واضحة للإصلاح؟ والسؤال الثالث: هل توجد لها قيادة شعبية وطنية تقود هذا الحراك؟ جواب هذه الأسئلة عند العراقيين وفي جوابهم سيحددون هل هذه المظاهرات من أجل العراق أم هي لحساب أجندات خارجية.

نظن أنّ هناك أسبابا غير الأسباب الاقتصادية والمعيشية التي تأتي في المرتبة الأولى من قبل المراقب الخارجي ويستغل العناوين التي ذكرناها سابقاً عن طريق الإعلام والمدسوسين بين جموع المتظاهرين ليخلق البيئة الملائمة التي أوجدها في الحالة الليبية والسورية وهي الصدام المسلح مع السلطة القائمة.

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أصبح غير مرغوب فيه أمريكياً؛ فقد صدرت منه مواقف لا تعجب "العم سام " ومن يدور في فلكه السياسي، وكما يقال: التوقيت مهم في السياسة.

مواقف العراق الجديدة تمثلت في: دعم الحشد الشعبي ورفض حل هذا الجيش، بل صدرت قرارات من رئيس الوزراء بتكريس وجوده ضمن منظومة القوات الأمنية العراقية، واتهام إسرائيل رسمياً بالوقوف خلف استهدافه. رفض العراق الانضمام إلى صفقة القرن والتحالف الذي دعت له أمريكا في الخليج لتأمين الملاحة في المنطقة. وتوقيع عقود اقتصادية ضخمة مع الصين. محاولة شراء أسلحة من روسيا ذات طابع استراتيجي "اس 400". افتتاح معبر البوكمال الحدودي بين العراق وسوريا الذي كان خطا أحمر لدى أمريكا وإسرائيل، فهذا المعبر يُشكِّل نقلة نوعيّة في العلاقات العراقية السورية، وتعلم أمريكا ومن معها بأنّه يقوي من محور المقاومة والممانعة في المنطقة. وهذه المعطيات توضح لنا لماذا المظاهرات المطلبية مهمة بالنسبة للمراقب الخارجي (أمريكا وحلفاؤها) فهي القاعدة لتغيير النظام العراقي الذي حسب رأي الأمريكان تمرّد عليه وخرج عن دائرته.

إنّ الكم الكبير من التغريدات المرصودة من خارج العراق والتي شكلت ما يقارب 70% من إجمالي التغريدات التي تحرض على المظاهرات وتضخمها يعتبر نفس أسلوب مظاهرات عام 2014 والتي كانت تسمى "ثورة العشائر العراقية"، ونتج عنها ظهور "داعش" في الجغرافيا العراقية.

لا بد للعراق أن يرسم لنفسه خطه السياسي المستقل، الذي يوازي علاقاته الخارجية مع دول جواره الجغرافي "الإيراني والخليج العربي"، فأمريكا ترى أن هناك تقاربا كبيرا بين العراق وإيران في السياسة الخارجية، لذلك فهي تريد أن تحدث تغييراً جذرياً في بنية النظام العراقي فقد جرّبت الحالة التعددية الديمقراطية في عراق ما بعد صدام حسين، وفشلت لأنّ الحالة أفرزت مكونات سياسية قريبة من إيران لا تريدها أمريكا في إدارة العراق.

لا بد كذلك لمن يحكمون العراق اليوم أن يدركوا بأنّ الفساد المالي وغياب المقوّمات الأساسية للعيش الكريم للشعب العراقي وتردي الأوضاع الاقتصادية والمحسوبية السياسية هي أكبر تحديات العراق، فهي المنفذ الذي يدخل منه من يريد الفوضى لهذا البلد، وعلى العراقيين أن يميّزوا بين من يرفع صوته من أجل العراق ومن يرفعها لخراب العراق ودمارها.