"فورين بوليسي": "فوضى استراتيجية" بالشرق الأوسط بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا

ترجمة- رنا عبدالحكيم

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا أظهر بعدين جديدين لطبيعة السياسات في الشرق الأوسط؛ الأول يدور حول ما إذا كان يمكن الوثوق بحكومة الولايات المتحدة كشريك، في ظل تخليها الواضح عن الأكراد السوريين، والآخر مرتبط بكيفية إيجاد اللاعبين الدوليين في سوريا توازن سياسي جديد.

وبحسب مقال نشرته المجلة للكاتب بلال بالوش، فإن الانسحاب الأمريكي خلق فوضى إستراتيجية وأخلاقية إضافية في الصراع المستمر منذ ثماني سنوات في سوريا، لكن يظل من غير الواضح من سيحقق الاستفادة الكاملة من هذا الموقف. فبعض الشراكات القائمة تتفكك، في حين أن بعضها الآخر يتعمق.

ويقول كاتب المقال: ما هو واضح بالفعل أنه من المحتمل أن تظهر انقسامات أعمق بين روسيا وإيران وتركيا، وهي ثلاثة أطراف كانت في السابق متحدة في معارضتها لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى الرغم من أن قادة من موسكو وطهران وأنقرة - في الأشهر الأخيرة - يعملون على حل النزاع في سوريا من خلال اللجنة الدستورية السورية التي تقودها روسيا، فإن الخلافات بينهم حالت دون تحقيق تقدم حقيقي. ففي الوقت الذي تبدأ فيه تركيا توغلها في الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، كان رد فعل روسيا متمثلا في مزيج من القلق الضمني والتعبيرات الصريحة حول النزاهة وضبط النفس. ومن المتوقع أن تتزايد إحباطات الكرملين مع توسع تركيا في هجماتها على نحو يفاقم من خطر عرقلة عمل اللجنة الدستورية وتعرض جهود تثبيت الرئيس بشار الأسد في السلطة للخطر.

وفي البلدان العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قوبلت أخبار الانسحاب الأمريكي بقلق. فقبل أقل من عام، أعادت الإمارات إقامة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا مع افتتاح سفارتها في دمشق مجددا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الإمارات جزءًا رئيسيًا من عملية حل النزاع في سوريا، وخاصة من خلال القنوات الخلفية مع الحكومة السورية التي تحظى بتشجيع من روسيا.

وخلال هذه العملية رفض أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بالإمارات- وهو ثاني أقوى ممثل في السياسة الخارجية الإماراتية بعد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد- خطط تركيا لإقامة منطقة عازلة في سوريا، وهو ما يعكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حاليا على تنفيذه. وخلال مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من هذا العام، قال قرقاش بوضوح: "لدى الإمارات العربية المتحدة تعاطف كبير مع الأكراد وتؤيد حماية الأكراد في إطار سوريا الموحدة". وأضاف: "بلدي يشعر بالقلق إزاء تصريحات تركيا بشأن القوات الكردية السورية، ونعتقد أن التهديد التركي خطر حقيقي... أي تدخل من غير القوات المحلية في الأراضي العربية، خطوة سلبية".

وفي العاصمة السعودية الرياض، من شأن انسحاب الولايات المتحدة أن يعمق التوترات بين السعودية وتركيا، والتي اندلعت في الأشهر الأخيرة بسبب الإخوان المسلمين ومقاطعة قطر واختفاء ومقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي. وقدم السعوديون الدعم الدبلوماسي والاقتصادي لتخفيف التوترات عن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والقبائل العربية في شمال سوريا، ولن يكونوا سعداء بالعدوان التركي الذي يهدد هذا الدعم.

وتمثل أحداث الأشهر الأخيرة تدهورًا مفاجئًا في العلاقات السعودية التركية منذ تحالفهما القوي في السنوات التي تلت حرب العراق عام 2003، عندما سعى كلاهما لمنع ذلك البلد من الوقوع في أيدي إيران. وفي ذلك الوقت، أنتجت الانقسامات الطائفية في المنطقة ائتلافًا قويا بين الرياض وأنقرة ودول إقليمية أخرى.

وتسبب العدوان التركي في حدوث توافق نادر في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، حيث أدانت الدول الإقليمية كلها تقريبًا التحرك التركي، واعتبرت أن توغل تركيا في شمال سوريا لا يهدد مستقبل الأكراد فحسب، بل يهدد أيضًا الاستقرار الأساسي لسوريا والشرق الأوسط برمته.

تعليق عبر الفيس بوك