أبناؤنا والتكنولوجيا!

سالم علي الرواس *

الحياة مليئة بكل ما هو جديد، وبكل ما هو تقني وحديث، ولكن ما هو التصرف المناسب حيال هذا التطور وآلية التعامل معاه؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤال المهم، يتبادر لنا في الأذهان حجم هذا التطور وشدة جاذبيته، لعل التطورات والتغيرات المتلاحقة في حياتنا أصبحت سريعة ومتشعبة، ولا حيلة لنا سوى الانسياق وراءها. وهُنا يكمُن الخطر المحدق بنا كمجتمع وعلى أبنائنا بشكل خاص. إنَّ أي فرد في مجتمع يكون عُرضة لكل ما هو جديد سواء شاء أو أبى، وهنا تتبادر إلى أذهاننا مجموعة من التساؤلات: هل نحن مُلزمون بأن نتأقلم معها، أو أن هناك طرقًا تقينا المخاطر، وتجعل حياتنا أكثر سعادة وبعيدة عن كل ما هو مؤرق يحد من استقرارها.

وإجابتنا تتلخَّص فيما يلي: كلنا نعي ونعلم أن لكل تطور جوانبه الإيجابية والسلبية، فقد أصبح هناك تطور في شتى المجالات، وبالأخص في المجال التكنولوجي، وبالذات الاتصالات، ويتزعمها كلٌّ من الهاتف الذكي والآيباد اللذين أمسا الشغل الكبير لكثير من البشر، وبالأخص الأطفال والمراهقين الذين أصبحوا إن صحَّ التعبير"مدمنين" على هذه الأجهزة ويقضون أوقاتا طويلة خلف هذه الأجهزة، وللأسف أمست هذه الأجهزة الأم والأب، وحلت محل التنشئة الاجتماعية يستقي منها الطفل كل السلوكيات ويتعلم منها الكثير من الأفعال والقيم والعادات والأمور الخطيرة، ويشاهدون الفيديوهات والمقاطع الإجرامية والإباحية والكثير من البرامج والتطبيقات الإلكترونية المتنوعة.

للأسف الشديد أنَّ الأبوين هم من أسهموا فيه وهم من قاما بشراء هذه الأجهزة؛ سواء الآيباد أو التليفون المحمول الذكي لكي يلتهي الطفل، ولا يقوم بإزعاجهم بين الحينة والأخرى، ولكي لا يشعر الطفل بأنَّه أقل من أقرانه من الأطفال الذين يملكون هذه الأجهزة؛ للأسف هذا الأمر جعل الأطفال تحت تأثير الكثير من المشاكل؛ سواء الصحية أو النفسية أو الاجتماعية، وتترجمت هذه في سلوكياته؛ فمن المشكلات الصحية ضعف البصر والأمراض السرطانية جراء الأشعة التي تصدرها هذه الأجهزة، وكذلك مشاكل انحناء الرقبة والإرهاق الشديد الذي يصيب الجسم من خلال السهر الطويل خلف هذه الأجهزة.

ومن المشكلات النفسية: ظهور بوادر الانطواء والعزلة، ولعل الخطر الكبير يكمُن في أنَّ مرض التوحد للأطفال تعززه هذه الأجهزة، وتجعل المرض يتمكَّن من الطفل المؤهل للإصابة، وتبرز أيضا المشاكل السلوكية من جراء هذه الأجهزة في العزلة الاجتماعية، وعدم قدرة الطفل على تكوين وبناء العلاقات والصداقات الاجتماعية بسبب التعلق الشديد بالأجهزة الذكية.

هُنا.. علينا الإسراع في عمليات الإنقاذ والتدخل السريع لحل هذه المعضلة الكبيرة التي ألمَّت بنا وبأبنائنا ومجتمعاتنا، ولنكن واضحين؛ فالمشكلة فينا نحن الآباء، نرى أن سعادة الطفل في امتلاكه جهاز آيباد أو تليفون ذكي يلعب به، ولا نعلم أنَّ هذا الجهاز قنبلة موقوتة سوف تنفجر عاجلا أم آجلا في أبنائنا وسوف تُظهر كل ما سبق ذكره من مشكلات، وهناك الكثير من الدراسات والابحاث الأمريكية قدَّمت توصيات؛ منها: الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال حول استخدام الأجهزة الذكية تقول فيها بأنه لا يسمح أبدا باستخدامها لمن أعمارهم أقل من سنتين، ومن هم في عمر الخامسة يُسمح لهم بساعة يوميا فقط، ومن هم في عُمر بين 6 و12 بساعتين يوميا فقط، ومن عمر 13 إلى 18 ثلاث ساعات فقط يوميا. إذن، ترك الأطفال لساعات طويلة خلف هذه الأجهزة يولد الكثير من المشاكل، وينبغي أن ندرك أنَّ أدمان الطفل الأجهزة الذكية هو نوع من أنواع إدمان الإنترنت لارتباط هذه الأجهزة بالشبكة العنكبوتية، وعلينا إذن المراقبة اليومية ووضع ضوابط وحدود للاستخدام؛ لكي يتم السيطرة على الوضع، وهنا سوف نَضَع بعض التوصيات التي من شأنها المساعدة على تخفيف معاناتنا من هذه الأجهزة؛ وهي كالآتي:

1- قضاء الكثير من الوقت مع الأبناء وبناء جسور الحوار وتكوين صداقات معهم.

2- تحديد أوقات للاستخدام بما لا يتجاوز الساعتين يوميا.

3- القيام بالأنشطة الرياضية والثقافية المتنوعة لملء فراغ الأطفال.

4- التوعية المستمرة بالمخاطر لجعل الأطفال على دراية بما قد ينجم عن الإفراط في استخدامها.

5- الخروج في نزهة أو رحلات مع الأطفال أو خروجهم مع الأصدقاء المقربين.

6- عدم ترك الأجهزة في غرف نوم الأطفال لتفادي عودتهم لاستخدام الأجهزة الذكية.

لعلَّ هذه الخطوات تسهم في التحكم نوعًا ما في مواجهة ظاهرة إدمان الأجهزة الذكية، ومن الأهم من العمليات أن نعلم أن كل شيء يطول وقت استخدامه يأتي بعواقب وخيمة، وعلينا أن نُدرك أن التطور التكنولوجي في غاية الأهمية، وعلينا أن نستفيد منه في حدود الشيء المعقول والمطلوب، والأهم أن نعمل بشكل مستمر على المراقبة اليومية لكي يعي الطفل ما يفعله وما يستخدمه.

 

* باحث اجتماعي

تعليق عبر الفيس بوك