كواليس

أمل السابعي

أبو علي رجل ستيني يعيش وحيدا في غرفة سقفها سعف نخيل لا يحجب قطرات مطر بسيطة، وأرضيتها حصير بال كملابسه، يقتات أبو علي لقمة عيشه البسيطة من مهنة حفر القبور، ويقتات حب الناس من موهبة فن العازي.

تبرز موهبة أبو علي للناس في أيام العيد خاصة حين يتغنى بأشعاره بلحن فن العازي التراثي قبل قيام الناس بدفن حفرة شواء لحم العيد؛ علما أنّ هذه الحفرة اتسع حجمها عما كانت عليه سابقا نظرا لتوافد المزيد من الناس من خارج القرية ليس لدفن لحم الشواء فقط بل للدندنة خلف عازي أبو علي.

اغتنم شيخ القبيلة فرصة انجذاب النّاس من القرى المجاورة لسماع عازي أبو علي يوم العيد؛ فعمد إلى دعوة التلفزيون لتصوير هذا الحدث الذي سيدرج بلا شك ضمن إنجازات مشيخته للقرية، فهو يحيي التراث الأصيل المتمثل في فن العازي ويكتشف موهبة جديدة كحنجرة أبو علي في الوقت نفسه.

لم تكن بساطة مظهر أبو علي ترقى للظهور مع شيخ القبيلة على شاشة التلفزيون، لذلك حلق له ذقنه الذي اعتاد أن يمسحه وهو يتغنى بأشعاره، وأُجبر على ارتداء ملابس ثقيلة أثارت الحكة في جلده المترهل كما أنّه طوق بخنجر لو جمع ماله طيلة حياته لما بلغ قيمته.

بدأ تصوير الحدث المنتظر، لم يتسع كادر الكاميرا لتصوير الناس بشكل جماعي إلا من زاوية بعيده جدًا قرب لافتة كتب فيها اسم المنطقة، وهي الزاوية التي اختارها شيخ القبيلة للمخرج لتكون نقطة انطلاق التقرير التلفزيوني، بدأ زوم الكاميرا يشق الجموع المتجمهرة حول حفرة الشواء منتهيا بشيخ القبيلة والشاعر أبو علي.

بعد إشارة من شيخ القبيلة تنفس الجموع الصعداء فصوت أبو علي قادم بعد صوت شيخ القبيلة الدخيل هذا العيد، فتح أبو علي شفتيه ليتغنى بأشعاره لكن حبال حنجرته أرسلت ولأول مرة لحنا مختنقا إثر اختناق صاحبه المفاجئ، انهار أبو علي على الأرض وانهارت أنفاس الحاضرين معه.

لم تصور الكاميرا لحم الشواء وهو يدفن بل صورت حفار القبور أبو علي وهو يدفن في قبر تسابق الجميع لحفره، لم تصوّر الكاميرا دفن الجموع المتجمهرة لحفرة الشواء بل صوّرت نزوحهم عنها للأبد، ولم يعلن شيخ القبيلة إلى الآن متى ستظهر كل هذه الكواليس على الشاشة.

تعليق عبر الفيس بوك