"إيكومنست": أزمة عملة في لبنان.. والأسوء قادم

ترجمة- رنا عبدالحكيم

حذرت مجلة إيكونومست من أن لبنان يواجه أزمة عملة بعدما أصبح الدولار هاجسا لهذا البلد في الوقت الحالي.

ويربط لبنان عملته الليرة مع الدولار، بـ1500 ليرة مقابل الدولار منذ عام 1997. وتتم طباعة الإيصالات بالعملتين فيما يقوم أصحاب المتاجر بتغيير العملات مع مزيج من الدولارات والليرات. ومن الناحية الرسمية لم يتغير كل شيء، لكن ذعر المواطنين اللبنانيين يشير إلى حقيقة مختلفة، فقد خرجت الاحتجاجات في بيروت في 29 سبتمبر لتقرع جرس إنذار الأزمة.

وتوقفت العديد من أجهزة الصراف الآلي عن صرف الدولارات. وخفضت البنوك بهدوء حدود السحب إلى 1000 دولار يوميًا وفرضت قواعد تعسفية، مثل حظر المعاملات بالدولار بعد الساعة 5 مساءً وفي عطلات نهاية الأسبوع، وهو ما يمنع العملاء في الواقع من استخدام حساباتهم. وتُجبر الشركات على الدخول إلى سوق سوداء؛ حيث يبلغ سعر الدولار الآن 1600 ليرة، وأحيانًا يصل إلى 1750 ليرة. وتصر الحكومة على أن الوضع "تحت السيطرة".

وقالت المجلة الاقتصادية المتخصصة في تقرير لها إن أول من يعاني من هذه الأزمة هي الشركات التي تحتاج إلى عملة صعبة، فمحطات الوقود، على سبيل المثال، تبيع البنزين بالليرة، لكن تشتريه بالدولار. ونفذت المحطات إضرابا لفترة قصيرة في 26 سبتمبر الماضي، احتجاجا على ندرة الدولارات بالسعر الرسمي. واصطف السائقون في قلق على جانبي الطرق. كما واجهت مطاحن القمح نفس الأزمة وحذرت من نقص محتمل في الخبز.

وفي 30 سبتمبر، وعد البنك المركزي اللبناني بتوفير الدولار بالسعر الرسمي للشركات التي تستورد الوقود والأدوية والقمح، مع التعهد بعدم حدوث ندرة مفاجئة للعملة.

ويرى التقرير أن نقص الدولارات ليس بالخبر السيئ، إذ قد يسهم ذلك في خفض الواردات ومن ثم تقليل عجز الحساب الجاري، والذي سجل 25% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. لكن الأزمة ستكون مؤلمة بالنسبة لبلد يعتمد كثيرا على السلع المستوردة.

ويدير رياض سلامة بنك لبنان المركزي منذ عام 1993، ويميل الأثرياء إليه لإبقائه على استقرار العملة خلال سنوات الفوضى السياسية. ويبدو أن البنك المركزي يتمتع برأسمال جيد؛ حيث بلغت الاحتياطات الأجنبية 37 مليار دولار في نهاية يوليو. ومن غير المرجح أن يواجه لبنان مشكلة في تمويل الواردات الأساسية، والتي تتراوح بين 4 مليارات دولار و5 مليارات دولار في السنة.

ومع ذلك، فإن أصول البنك تتضاءل نتيجة التزاماته، كما يقول المسؤولون السابقون في البنك. فللحفاظ على ربط العملة، يقترض البنك المركزي الدولار من البنوك التجارية بأسعار أعلى من السوق. ولبضع سنوات كان هذا الإجراء قابلاً للتطبيق. وحققت البنوك، التي يسيطر على معظمها سياسيون، أرباحاً جيدة، وكان لدى مصرف لبنان عرضا بالدولار لتغطية العجز المزدوج في لبنان. وبلغ العجز المالي العام الماضي 11% بينما سجل الدين العام أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ويصنف هذا من بين أعلى المعدلات في العالم.

وبعد عقد من النمو المضطرد، بدأت الودائع في البنوك التجارية تتقلص. ووصلت أسعار الفائدة إلى 20%، فيما فشلت الدولة في جذب الدولارات. لكن البنوك تواصل ضخ الأموال في البنك المركزي، وتملك ما قيمته 147 مليار دولار (بالدولار والليرة) مودعة لدى البنك المركزي بنهاية يوليو، بزيادة 23% على أساس سنوي. وحوالي 57% من إجمالي أصول القطاع المصرفي موجودة الآن في البنك المركزي، مقارنة مع العام السابق عندما سجلت 51%.

وتحتاج البلاد إلى تحقيق نمو اقتصادي وتسجيل عجز أقل، لكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك. وتهدف ميزانية 2019 المعتمدة في يوليو الماضي إلى خفض العجز إلى 7.6%، ويبدو أن الكثير من هذا العجز بمثابة وسيلة للتحايل على الإجراءات المحاسبية؛ حيث يقدر المركز اللبناني للدراسات السياسية أن 46% من المدخرات تأتي من تأجيل المدفوعات للمقاولين. ولم تحرز الحكومة سوى تقدم ضئيل في تقليص القطاع العام المتضخم أو خفض الدعم لشركة الكهرباء الحكومية الذي وصل إلى ملياري دولار في السنة (أو 4% من الناتج المحلي الإجمالي).

وخلال السنوات الماضية، قدمت دول الخليج الغنية خطة إنقاذ للبنان، لكنها باتت أقل سخاءً اليوم، بسبب الإحباط من حكومة لبنان التي ينظر على أن لديها تسامح شديد مع حزب الله المدعوم من إيران. وتم تجميد حزمة مساعدات دولية بقيمة 11 مليار دولار (معظمها في شكل قروض ميسرة) كان قد اتفق عليها العام الماضي، حتى ينفذ لبنان الإصلاحات الموعودة. وسوف تجد الحكومة صعوبة متزايدة في زيادة رأس المال في الخارج.

كما هو الحال دائما، فإن أمراء الحرب والقلة الذين يديرون لبنان منشغلون بالمشاحنات؛ إذ لم يجتمع مجلس الوزراء منذ 6 أسابيع، بعد مقتل مساعدين وزاريين في تبادل لإطلاق النار. وشعر رئيس الوزراء سعد الحريري بالحرج من تقرير لصحيفة نيويورك تايمز ذكرت فيه أنه قدم 16 مليون دولار لعارضة أزياء من جنوب إفريقيا قابلها في إحدى الحفلات، في وقت تم تسريح مئات الموظفين من شركات الحريري هذا العام أو تأخرت رواتبهم.

تعليق عبر الفيس بوك