الدراسات العليا والكفايات الأربع (1-2)

د. راشد بن علي البلوشي

هُناك أكثر من طريقة للقيام بمتطلبات الدراسات العليا (درجتي الماجستير والدكتوراه)، وكذلك لتصميم برامجها ومتطلباتها (في التخصصات المختلفة)، وأيضاً لوضع الأسس والمعايير التي تمكن المؤسسة الأكاديمية (الجامعة أو المعهد العلمي أو المركز البحثي) المانحة للدرجة العلمية، من أن تكون واثقة مِن أن مَن يحملون شهاداتها هم فعلاً من يستحقون أن ترتبط أسماؤهم باسمها للأبد (مثلما تفتخر جامعة إدنبرة، مثلاً، بأن الدكتورة جوخة الحارثية قد قامت بدراسة درجة الدكتوراه فيها)، ويكونوا مَن يمثلها خير تمثيل في المستقبل في كل محفل أو مناسبة، وأنّ مَن يحملون شهاداتها ليسوا فقط مَن كانت عندهم الرغبة (لأسباب مختلفة) في أن ينتسبوا لها، وأن يتفاخروا بأنهم من خريجيها.

لذلك، فإنه ومن الأهمية بمكان أنْ تُصمم برامج الدراسات العليا في المؤسسات الأكاديمية (التي ترغب في مواكبة هذا العالم المتسارع التغير) لكي تحقق أربع كفايات، على الأقل، وهي: الكفاية المعرفية والكفاية البحثية وكفاية الذكاء الاصطناعي وكذلك الكفاية المجتمعية. فيما يلي سوف نُناقش كلٍّ من هذه الكفايات الأربع:

* الكفاية المعرفية: تعني أن يكون الحاصل على درجة الدراسات العليا (وخصوصاً الدكتوراه) مُلمًّا بجميع (أو على الأقل بمعظم) ما قيل أو كُتب في مجال تخصصه (أو في مجال تخصصه الدقيق)، بمعنى أن تكون درايته بما يجري من تطورات واكتشافات ومعارف وعلوم جديدة في مجال تخصصه كافيةً لأن يكون أستاذاً في القسم الذي تخرج فيه (وليس بالضرورة حصوله على هذه الوظيفة). أي أنَّه لا يكتفي بأن يعرف حد الكفاف، وهو ما يقوم به مَن يتوجهون إلى بعض الجامعات المتوسطة المستوى من أجل الحصول على الدرجة العلمية، ومن ثَم الوظيفة (وما يرافقها من امتيازات وظيفية ووجاهة اجتماعية ومنافع تقاعدية)، ولكن أن يكون خبيراً في مجال تخصصه، لا يقل علماً وخبرةً في موضوع الرسالة عن أستاذه أو أعضاء لجنته أو ممتحنه الخارجي. وهذا يتطلب بالضرورة أن يكون البرنامج مصمَّماً بحيث يشتمل على مواد متقدمة وأخرى متقدمة جداً (حيث إنَّ الطالب قد قام بدراسة المقررات المدخلية في درجة الماجستير أو البكالوريوس)؛ لكي يطلع على كل ما هو جديد في مجال تخصصه، ويمكن أن يتضمن البرنامج مادة يقوم محتواها على عرض الأبحاث الجديدة، المنشورة في المجلات العلمية والمعروضة في المؤتمرات، ناهيك عن متطلب حضور المؤتمرات العلمية، وهوما يُطلع الطالب على ما لم ينشر بعد.

* الكفاية البحثية: تعني أن تكون التجربة البحثية بما في ذلك الاحتكاك بالأساتذة والزملاء في التخصص (داخل الجامعة وخارجها) ثرية بما يكفي لأن تنتج باحثاً مفكراً في مجال التخصص، باحثاً قادراً على رؤية القضايا والمشاكل المختلفة في مجال تخصصه بعين الناقد الفاحص الذي يستطيع أن يطرح الأسئلة الصحيحة، وأن يُصمم الأبحاث الناجحة، وأن يستنبط الحلول، وأن يفسر النتائج، وأن يكون قادراً على نشر البحث وتقديم التوصيات بناء على نتائجه والمساهمة في مجال تخصصه. وهذا يستدعي بالضرورة أن يكون الطالب مطلعاً على الجديد في مجال تخصصه، وكذلك مُلمًّا بالمهارات البحثية والاستقصائية والتحليلية المختلفة. لذلك؛ نوصِي بأن تتضمن برامج الدراسات العليا موادَّ ذات طبيعة بحثية صرفة (Individual Study)، سواء تضمنت محاضرات أو لقاءات صفية أم لا، يقوم من خلالها الطالب الباحث باختيار موضوع (بالتشاور مع أستاذه) يطرح بشأنه سؤالاً، ويصمم له البحث الذي يقدم له النتائج، وهي طريقة إعداد وصناعة الباحثين في المؤسسات العلمية المرموقة. ونوصِي كذلك بأنْ يكون في عضوية لجان درجة الدكتوراه في جامعة السلطان قابوس أستاذ جامعي بدرجة أستاذ مشارك (على الأقل) من جامعة أو مركز بحثي مرموق في العالم (وليس فقط معترفا به)، خصوصاً في الجامعات التي تقود تقدم البحوث وإثراء مجال التخصص بالعلوم والمعارف. وكذلك لابد أن يكون الممتحن الخارجي من جامعة عريقة أخرى، وليس فقط من خارج الجامعة المانحة للدرجة العلمية.

 

* أستاذ اللغويات المشارك - بجامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك