مقعد الشورى نريده للأصلح

حمود بن علي الطوقي

 

سيتوافد المواطنون والمواطنات في الصباح الباكر من يوم الأحد 27 أكتوبر الجاري إلى اللجان الانتخابية للتصويت في انتخابات مجلس الشورى في دورته التاسعة، وذلك لاختيار مرشحيهم الذين سيمثلونهم داخل المجلس لمدة 4 سنوات.

وخلال هذه السنوات الأربعة المقبلة سيكون من يُحظى بشرف الفوز لمقعد البرلمان محظوظ بكل ما تعنيه الكلمة وسينتقل من حالٍ إلى حال، وسيدخل مرحلة جديدة من عمره، وسيحظى بلقب "سعادة" سابقا لاسمه، وسيكون من أصحاب الرأي والمشورة ومن وجهاء البلد، وستتم استضافته في الحفلات الرسميّة بل ستقام الحفلات تحت رعايته، وسيتم وضعه في الاعتبار في مختلف الفعاليات والأنشطة التي تقام بالولاية وسنجده يتحرّك بسيارته التي ستتميز عن بقيّة السيّارات بختم شعار المجلس على لوحة سيارته، وستمنح له المُخصصات الدبلوماسية وغيرها من المزايا التي لم يكن يحلم بها قبيل انضمامه لركب "الشورى".

قد يكون هذا المقال الثالث لي الذي أكتبه عن انتخابات مجلس الشورى. وحقيقة الأمر أنني أتابع منذ فترة الحراك والسجال بين المرشحين والمرشحات لخوض الانتخابات. وأرى أنّ هناك تماثلا في الأفكار والرؤى بين المتنافسين على العضوية، وهناك إجماع في الرؤى والأهداف يتمثل في أنّ الجميع سيعمل على تفعيل الصلاحيات الرقابية والتشريعية المعطلة، وسيضع في برنامجه حلولا جذرية لقضية الباحثين عن العمل، وإيجاد الوظائف لهم. كما تتماثل الرؤى والأهداف في توفير الخدمات الأساسية التي تحتاجها الولاية، وتشجيع القطاع الخاص على توظيف العمانيين، وأيضا الضغط على الحكومة لتبسيط الإجراءات، ومحاربة الفساد، والرقي بالخدمات الأساسية من التعليم والصحة، وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

هذه الرؤى المتماثلة أخذت حيزا كبيرا من الحملات الانتخابية، فنجد مرشحين من نفس الولاية يشتركون في الأهداف والرؤى، ويتحاورون مع الناخبين حول أهداف مشتركة، ويبقى الاختلاف هنا القوة والكاريزما والتخطيط السليم في إدارة الحملة وإقناع الناخب بالتصويت له وبأنّه الأكثر كفاءة.

الملاحظ في هذه الدورة بروز عدد من الوجوه الشابة الجديدة التي تطرح نفسها بقوة وتلتمس دخول البرلمان وسلوك طريق الشورى رغبة منها - حسب قولها- في المساهمة في خدمة المجتمع.

السباق إلى البرلمان يحتدم بين المواطنين، وكلما اقترب موعد التصويت يكثف المرشحون دعايتهم على وسائط وقنوات التواصل الاجتماعي لتسويق حملتهم، سواء كانوا ذوي كفاءة أم يرغبون في ركب الموج بهدف تشتيت الأصوات أو عنادا لكي يسجل لنفسه حضورًا وسط هذا الحشد الذي يتنافس للفوز بهذا المنصب الرفيع.

نعم الفوز بمنصب مجلس الشورى له طعمه الخاص، وليسمح لي القارئ العزيز بالتوقف بُرهة أمام العضو الذي سيفوز بمقعد البرلمان، والذي سيصله بجدارة بدعم من أهالي ولايته الذي آمنوا بقدراته وأوصلوه طواعية لهذا المنصب الرفيع. فهل هذا العضو الفائز سيكون قريبا من المواطن ويلبي مطالبه ويعمل على ترجمة رؤيته الانتخابية؟ حتى إذا اعتبرنا أنّ هذه الرؤية متشابهة مع الأعضاء الآخرين. أم أنّه سيضرب بعرض الحائط الوعود التي قطعها بعد أن أوصلته أصوات الناخبين للبرلمان؟

العضو صاحب السعادة هل سيتذكّر الناخب أم سيتناساه بعد أن تغيّرت حالته؟ وحصل على ما يريد كونه أصبح قريبًا من صناع القرار يلتقي بهم وقتما يشاء، وقد يمرر مطالبه أولا قبل مطالب المواطنين، وطبعا لا أعمم هنا بل أتحدث عن الفئة التي تضع عينها على المقاعد البرلمانية لتستفيد قدر المستطاع طوال فترة تمثيلها سواء لدورة برلمانية أو لدورتين.

شخصيًا كصحفي أتابع هذا الحراك منذ عقدين من الزمن، وأجزم أنّ هناك أعضاء بمجلس الشورى يبرزون خلال مناقشاتهم ويتميّزون من خلال تقديم المبادرات الوطنية والمساهمة في تنمية الولاية التي يمثلونها، ويلبون مطالب المواطنين قدر المستطاع، ويسعون لإيصال صوت المواطن إلى الجهات الرسمية وإلى صناع القرار. هؤلاء نراهم بارزين ليس فقط على مستوى ولايتهم، بل على مستوى البلد ككل، مثل هؤلاء الأعضاء قلة ونتمنى أن نراهم فائزين ويمثلون ولاياتهم، وهؤلاء نحتاجهم، فهم يضعون مصلحة المواطن فوق مصالحهم الشخصيّة.

أمّا العضو الآخر الذي يصل إلى البرلمان ولا نسمع صوته وتكون تحركاته من أجل مصالحه الشخصية مستغلا هذا المنصب الرفيع، وهذا الصنف يُكتشف أمره ويتجنبه الأهالي في الانتخابات التالية، والمواطن لا يريد أمثال هذا العضو مرة أخرى داخل المجلس، فهناك من هو أجدر منه.

هذه هي حقيقة الصنفين من أعضاء المجلس، وكل صنف يعرف نفسه وموقعه ومكانته، وماذا قدم لمجتمعه، ويعرف نفسه إذا كان قد استغل المنصب ليكون هو أكبر المستفيدين أم لا!

مجلس الشورى بعد أن تعززت صلاحياته التشريعية والرقابية، بات لزامًا على الناخب أن يختار أصحاب الكفاءة ومن يملك القدرة على دراسة ومناقشة الملفات الوطنية الرئيسية، هذا العضو الذي نريده يجب أن يعمل بكل جد واجتهاد لخدمة الوطن والمواطن، وأمّا من يرى نفسه غير كفء ولا يملك مقومات التغيير، فنطالبه بأن يفسح المجال لمن هو أقدر منه في تحمل المسؤولية.

إنّ هذا المجلس أنشئ لكي يتطور، وتطوره بيد أعضائه المُتمكنين وليس المُتسلقين.