دروس انتخابية: "تجربة صلالة"

 

علي بن سالم كفيتان

 

أثبتت الأيام أن هناك عمقاً حيَّاً لولاية صلالة العريقة لا يمكن النيل منه مهما اختلفت الآراء وتغيرت الوجهات؛ حيث تقدم ولاية صلالة اليوم تجربة فريدة في الممارسة الانتخابية لاختيار أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة من خلال تعميق كلمة "نحن" على حساب الأنا وترسيخ ثوابت الوطن الكبير عُمان على حساب الفئوية والمناطقية.

فولاية صلالة تتصدر جميع ولايات السلطنة من حيث عدد الناخبين المقيدين في السجل الانتخابي وهذا يرسم صورة مشرقة للتجاوب مع توجه السلطنة لإرساء الممارسة الديمقراطية، والتجمعات الانتخابية الرئيسية المتنافسة في صلالة لديها فسيفساء من التنوع النادر؛ فجميعها تحوي مكونات اجتماعية مختلفة وهذا بدوره يشكل درساً في التكامل وحرية الاختيار نادرا ما تجده في مناطق أخرى.

لابد من القول إنه في البلدان التي لا توجد بها أحزاب سياسية أو جمعيات مجتمع مدني ذات فاعلية فإنَّ استحضار القبلية أمر حتمي كونه لا يوجد بديل مناسب، ولعله من الخطأ الفادح مواجهة هذا التوجه الذي ظل لفترات طويلة هو المتحكم بنمط الحياة العامة ليس في عُمان فحسب بل وفي بقية بلدان الخليج العربي عبر الإقصاء والتهميش من المشهد السياسي، ولكن عن طريق الإدماج والمشاركة وتقديم الخيارات الأكثر فاعلية. وعندما نعود لتجربة ولاية صلالة فإنَّ معظم التجمعات بدأت ذات طابع قبلي ومن ثم تطورت في ظل المتغيرات والحاجة الملحة للتحالف مع الآخر حتى ولو لم يكن منتمياً لنفس التجمع الانتخابي في سبيل الظفر بأحد مقعدي الولاية المؤدية لمجلس الشورى.     

ورغم غلة الأصوات المتوفرة بالولاية والسعي الحثيث لدى الجميع لتحصين موقعه الانتخابي فإنَّ الروح الظفارية تظل سامية عن كل زلل في ظل وجود مرشحين تم اختيارهم وفق مبدأ المفاضلة وليس التزكية في أغلب الأحيان؛ فالطموح لصلالة يصل إلى عنان السماء ولا شك أنها ستؤهل الأفضل من بين المتقدمين لحمل هذه المسؤولية ورسم الصورة الحضارية الواعية لهذا المجتمع المترابط والمتكافل منذ أقدم الأزمان. وأكاد أجزم اليوم ومن واقع معايشتي أن النفوس مطمئنة ولا يوجد ما يكدر صفو العملية الانتخابية في ولايتي، وأن الجميع متقبل للنتيجة مسبقاً، حتى ولو ذهبت بعيدا عن تطلعاته وآماله وخاصةً في هذه الدورة التي قد نشهد فيها تكراراً للنتائج السابقة أو تغيراً طفيفاً لن يحدث أي جديد في الصورة بعد أن أحصى كل تجمع أصواته وبات يعلم عددها جيداً، وكل همه الآن إيصالها للصناديق.

صلالة هي ملهمة التطور في عُمان، ولذلك التنافس فيها يكون له طعم مختلف فغالباً ما يحصد مرشحوها العدد الأكبر من الأصوات على مستوى الوطن وهذا قد يمنحنا مؤشرين هامين أولهما توق الإنسان لطعم المنافسة وحب التغيير والمغامرة، وثانيهما الاستجابة لخطوات الاختيار الحر عبر صناديق الاقتراع وهذا يعني قابلية المجتمع للقيم الجديدة التي يُنادي بها العالم الحديث، وهذا بدوره مؤشر هام على سلامة النفس البشرية وقابليتها للتفاعل الإيجابي مع المُعطيات الجديدة. قد يقول قائل إنَّ القوى الدافعة ليست المُثل والقيم الحديثة، بل التنافس القبلي وحب التواجد وفرض الهيمنة، ونحن نقول أليست هي نفسها أصول اللعبة الانتخابية حتى في أعتى الديمقراطيات في العالم؟ فمن يستطيع جمع غلة الأصوات الأعلى هو من يفرض تواجده في المشهد السياسي؟ فلا يجب أن نكون مثاليين أكثر من اللازم ولا ديمقراطيين أكثر من الديمقراطية نفسها.

توقع البعض أنَّ حماس الناخبين سيكون في مستوياته الدنيا هذا العام، وهذا أمر متوقع في ظل الأداء غير المرضي للدورة السابقة التي لم تستطع كبح جماح الضرائب وتعميق سياسة التقشف ووقف التوظيف والترقيات في الحكومة، لكن من غير المؤمل حدوث تغيير كبير مع من سوف يخلفهم أو يعاد انتخابهم في الدورة الجديدة، فحسب الظاهر أن مجلس الشورى لا زالت طروحاته استشارية إلى حد كبير أو هكذا يراد له أن يكون، وما لم تتغير هذه الصورة النمطية فقد يفقد المواطن الثقة مطلقاً بهذه المؤسسة.