"بلومبرج": علاقة سنغافورة مع الصين وأمريكا تنطوي على مخاطر عدة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

قالت وكالة بلومبرج الإخبارية إن دول آسيا والمحيط الهادئ تمر بأوقات محفوفة بالمخاطر، بعدما اشتعلت النيران الاقتصادية بسبب الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.

وذكرت الوكالة إنها تناولت في تقرير سابق كيف تعيد الفلبين- الحليف القديم للولايات المتحدة- تغيير موقعها بين واشنطن وبكين، لكن مانيلا لا تكاد تكون وحدها في محاولة لحماية نفسها مع الصدام مع العملاق الجيوسياسي.

وتواجه سنغافورة تحديًا مشابهًا، تحدث عنه رئيس الوزراء لي هسين لونج، الأسبوع الماضي في مقابلة. وتصريحات لي قد تثير غضب بعض المحللين الأمريكيين، ومع ذلك، يتم تسليط الضوء على المعضلات التي تواجهها الدول الأضعف، ويشيرون إلى بعض ضرورات النجاح بالنسبة لأمريكا.

في البداية تحت قيادة لي كوان يو، والآن تحت قيادة ابنه الأكبر نجحت سنغافورة في تحقيق التوازن بدهاء مثير للجدل. وازدهرت التجارة والاستثمار الصينيين بسنغافورة التي تتمع بقوة ديناميكية، ومعظم سكانها من الصينيين. ومع ذلك، قد يكون الاقتراب من الصين القوية ينطوي على مخاطر، لذا نظرت حكومة سنغافورة منذ فترة طويلة إلى واشنطن كقوة موازنة حرجة لقوة بكين. مع زيادة هذه القوة في العقود الأخيرة، زاد تعاون سنغافورة الأمني مع الولايات المتحدة.

وتتدرب القوات المسلحة السنغافورية بانتظام مع الولايات المتحدة، وتستضيف سنغافورة مجموعة اللوجستيات التابعة للبحرية الأمريكية في غرب المحيط الهادئ، إضافة إلى نشر السفن القتالية الساحلية وطائرات المراقبة البحرية من طراز P-8. وتقوم حاملات الطائرات الأمريكية بزيارات إلى الموانئ في سنغافورة، وهذا تذكير واضح بأن واشنطن تهتم بأمن البلاد. ولا تزال سنغافورة محايدة رسمياً؛ على عكس الفليبين، ليس لديها علاقة معاهدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، إذا كانت الفليبين حليفًا يتصرف كشريك، كما قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين ذات مرة، فإن سنغافورة شريك يتصرف كحليف.

ويرى لي أن الاتجاه نحو رؤية المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على أنها "صراع بين نظامين، تقريبًا حضارتان" يثير "قلقًا كبيرًا".

ويجب على الولايات المتحدة ألا تخدع نفسها في الاعتقاد بأن الضغط يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحزب الشيوعي الصيني؛ يجب أن تضع في اعتبارها أن الطلاق الاقتصادي “والتكنولوجي بين القوى الكبرى في العالم سيخلق وضعًا مستحيلًا لأصدقاء أمريكا "غارقين بشدة مع الصينيين." "أين هو الجزء الخاص بك من العالم، ومن سيكون في نظامك؟".

في الوقت نفسه، أقر لي بأن سلوك الصين أصبح أكثر توتراً، بسبب الطموحات الجيوسياسية المتزايدة والصعوبات الداخلية المتزايدة. كما جادل بأن الصين لم تعد قادرة على التصرف كدولة نامية، ولكن عليها تحمل "نصيبها من المسؤولية المتمثل في دعم النظام العالمي" الذي جعلها غنية وقوية. إذا كان لا بد من تجنب المواجهة الجيوسياسية الكارثية، فإن "الحكمة السياسية والاتساق والمثابرة والحكمة" ستكون مطلوبة من كلا الجانبين.

وبعض تعليقات لي مقتضبة بعض الشيء، من منظور أمريكي؛ إذ إنه يشير إلى وجود معادلة أخلاقية معينة بين الولايات المتحدة والصين، ولم يلمح إلا بشكل غير مباشر إلى انتهاكات بكين المروعة للإيغور في شينجيانغ. وتعكس جوانب أخرى من تعليقاته موقفا أكثر ملاءمة لعام 2005 مقارنة بعام 2019، فمن الواضح الآن أن الصين لن تصبح "صاحبة مصلحة مسؤولة" في نظام تقوده الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا ينبغي رفض تصريحات لي، لأنها تبرز ثلاث قضايا أساسية ستواجهها الولايات المتحدة في حشد تحالف دولي لمواجهة القوة الصينية.

أولاً: ستكون المواجهة الأوسع مع الصين مؤلمة اقتصاديًا بالنسبة للولايات المتحدة لكنها قد تكون مدمرة اقتصاديًا للحلفاء والشركاء الرئيسيين لأمريكا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكلهم مترابطون بشدة مع بكين من الناحية التجارية والمالية والتكنولوجية. واحتمال ظهور الستار الحديدي التكنولوجي أو الاقتصادي ينذر بالخطر بالنسبة للبلدان التي تتجه مصالحها الاقتصادية بطريقة ما بينما تجذب مصالحها الأمنية الأخرى. ولا شك أن الولايات المتحدة لا تستطيع منافسة الصين ما لم يصبح أصدقاؤها أقل اعتمادًا على بكين، فمن المهم أن يكون هناك بعض الاقتران الانتقائي من الاقتصاد الصيني، حتى لو ظل إلغاء الاقتران بالجملة أمرًا غير معقول. ومع ذلك، فإن الطريقة الوحيدة لجعل دول مثل سنغافورة تقلل اعتمادها على بكين هي تعميق إمكانيات التكامل الاقتصادي والمالي والتكنولوجي داخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وهنا، تبدو أمريكا حاليًا كشريك غير مؤكد، في أحسن الأحوال.

ثانياً، يؤكد لي على مخاطر الجمع بين الخطاب المتشدد والسياسة غير المتسقة؛ حيث كانت العديد من دول المنطقة سعيدة بهدوء لإدارة ترامب لاتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الصين، ولكنهم الآن قلقون من أن الإدارة أفضل في التحدث عن المنافسة عن خوضها.

وأخيرًا، يتعين على الأمريكيين أن يضعوا في اعتبارهم أن الرسائل المختلفة سوف تروق لأجزاء متابينة من تحالف محتمل ضد الصين. فاعتناق الصراع الأيديولوجي العميق بين أشكال الحكم الليبرالية وغير الليبرالية أمر ضروري لحشد البلدان الديمقراطية على هذه القضية. لكن الحكومات الأخرى ستجد هذه الحجة أقل إقناعا.

وسنغافورة، بعد كل شيء، دولة بوليسية، وإن كانت حميدة نسبيًا. وهناك شركاء رئيسيون آخرون، مثل فيتنام، متسلطون بشدة. وقد لا تكون هذه الدول مهتمة بجعل العالم آمنًا للديمقراطية، لكنهم يقدرون حق تقرير المصير، فهم يؤمنون بفكرة أنهم يجب أن يكونوا قادرين على تحديد مصائرهم بشكل خالٍ من الإكراه والترهيب.

هذه هي الرسالة التي يمكن أن تكون فعالة على نطاق واسع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لأنه مفهوم يمكن أن تتبعه الأنظمة الليبرالية والصديقة غير الليبرالية.

تعليق عبر الفيس بوك