أوراق العمل تبرز الأبعاد التنموية والأولويات

ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية يناقش تحديات استدامة الاستثمار المجتمعي

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

البطحري: برامج المسؤولية الاجتماعية ركن أصيل في مسيرة التنمية المستدامة

الطائي: الحديث عن المسؤولية الاجتماعية يستدعي الوقوف عند إشكالية الأولويات

 

 

الرؤية- مدرين المكتومية

رعى صاحب السُّمو السيد الدكتور الخطاب بن غالب آل سعيد، صباح اليوم الأحد انطلاق أعمال ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية، في دورته الأولى تحت عنوان "الاستثمار المجتمعي.. المسؤولية المستدامة"، وذلك بتنظيم من غرفة تجارة وصناعة عُمان فرع محافظة ظفار، وبالتعاون مع جريدة الرؤية.

وعقب افتتاح أعمال الملتقى، صرح صاحب السُّمو السيد الدكتور الخطاب بن غالب آل سعيد قائلا إن ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية في دورته الأولى والمنعقد تحت عنوان "الاستثمار المجتمعي.. المسؤولية المستدامة" وبمشاركة نخبة من المختصين والمهتمين بأهمية المسؤولية الاجتماعية سواء من داخل السلطنة أو من الدول الشقيقة، يمثل برهانا ساطعا على وعي الجميع بأهمية تضافر جهود الأفراد والشركات والمؤسسات المجتمعية، من أجل تعزيز التنمية المحلية من خلال تبني وتفعيل مختلف البرامج في مجالات اقتصادية واجتماعية وإنسانية وتنموية، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة لبناء مجتمع مزدهر وفاعل وقادر على المساهمة في التنمية الشاملة بالسلطنة. وأكد سموه أن أوراق العمل التي تم طرحها خلال الملتقى وكذلك الجلسات النقاشية، مثلت فرصة لتبادل الرؤى ووجهات النظر في واقع المسؤولية المجتمعية وسبل تطوير آليات العمل الاجتماعي من خلال تسليط الضوء على أبرز الممارسات والتجارب التي تنفذها الشركات والهيئات من أجل النهوض بالعمل الاجتماعي نحو آفاق أرحب.

اهتمام متنامٍ

وبدأ الملتقى، بكلمة ترحيبية ألقاها المهندس حسين بن حثيث البطحري رئيس مجلس إدارة فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة ظفار؛ حيث أكد أن هذا المنتدى يعكس حجم الإدراك والاهتمام المتنامي من قبل غرفة تجارة وصناعة عمان فرع محافظة ظفار وجريدة "الرؤية" كشريك وداعم لأعمال الملتقى، ما يبرز أهمية خدمة وتنمية المجتمع في السلطنة عموما، ومحافظة ظفار على وجه الدقة والتحديد. وقال إن هذا الاهتمام يختزله العنوان الرئيسي لهذه الدورة، الطامحة لإكساب العمل المجتمعي للشركات والمؤسسات صفة الديمومة والاستمرارية؛ استثمارا لأهمية بالغة باتت لصيقة الصلة بالدور المجتمعي لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، ببرامجها الفاعلة في المسؤولية الاجتماعية، والتي مهدت السبيل -إلى جانب جهود حكومتنا الرشيدة- أمام تهيئة الظروف من أجل واقع تنموي ومجتمعي أكثر عطاء وتنمية، بفضل الرعاية السامية والتوجيهات السديدة النيرة، من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- للجميع، بأخذ زمام المبادرة؛ من أجل بناء ورفعة هذا الوطن الغالي.

وأضاف أن مثل هذه البرامج المجتمعية المسؤولة، مدت يد العون لدعم وتنفيذ المشاريع والبرامج الموجهة لدعم الفئات المختلفة هنا في محافظة ظفار؛ سواء منها الأسر، أو الأشخاص ذوي الإعاقة، أو بالمنح الدراسية، والتوظيف، فضلا عن بناء مقار لبعض الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.. وهي جهود نأمل أن تتضاعف لتحقيق استدامة برامج تنموية تخدم مصالح الجميع.

وأشار البطحري إلى ما حققته برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، خلال الفترة الماضية، والتي لم تعد مجرد درب من دروب الرفاهية، أو عملا من أعمال الدعاية التسويقية للشركات، بل باتت ركنا أصيلا في مسيرة التنمية المستدامة، ووجها تطبيقيا للمفهوم النظري لتضافر وتكاتف جهود الجميع من أجل إتمام مسيرة البناء والعطاء، بما يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الجميع.

3 ركائز أساسية

وبين البطحري أن المسؤولية الاجتماعية تتطلب ضرورة الالتزام بركائز أساسية ثلاث، وهي العوامل المشروطة عند تنفيذ مشروعات وبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، أولها: ضمان تحقيق النمو الاقتصادي، وثانيها: حماية البيئة، ودعم المجتمع المحلي، وأخيرا وليس آخرا: احترام حقوق الإنسان المستهدف بالأساس.

وأكد رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان فرع محافظة ظفار أن توحيد جهود وطاقات المسؤولية الاجتماعية، يمثل المطلب الأهم، والغاية التي تسعى لتحقيقها الدورة الأولى من الملتقى، خصوصا ونحن نرى حجم النجاحات المتحققة لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، على امتداد أرض عمان، وفي محافظة ظفار على وجه التحديد، وما تؤصله من تكاتف مجتمعي قادر على تعظيم الفوائد التنموية. ولفت البطحري إلى أن كل هذه الجهود- على ما تستحقه من ثناء وإشادة- تظل بحاجة لإطار تنظيمي يعظم حجم المردود المرجو منها، وترتيب الأولويات، وتوحيد الجهود، ورفع مستويات التنسيق؛ من أجل تحقيق الاستفادة الكاملة.

وتابع قائلا إنه من الضروري أن يخرج الملتقى بمبادئ إستراتيجية طويلة الأمد لبرامج المسؤولية الاجتماعية، تعظم الآمال بالحفاظ على المنجز والبناء عليه، من أجل مستقبل وطني أكثر تشاركية ونماء، وبما يدعم الجهود الوطنية لتحقيق مزيد من التنمية الشاملة والمستدامة، تلبي المتطلبات، وتعين على سرعة إنفاذ الخطط والرؤى المستقبلية الطموحة لهذا البلد.

إلى ذلك، قدم المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية والمشرف العام على الملتقى، البيان الافتتاحي للملتقى والذي أبرز فيه الارتباط الوثيق بين المسؤولية الاجتماعية والاستدامة، مشيرا إلى أن المسؤولية الاجتماعية، هي عملية الاستثمار الاجتماعي للشركات، ولاسيما شركات القطاع الخاص، من خلال القيام بدورها المنوط بها لدعم مساعي التنمية يدا بيد وبالتوازي مع الجهود الحكومية، والتي ما فتأت تتواصل منذ فجر النهضة المباركة وحتى يومنا هذا.. غير أنه في ظل ما يستجد من حولنا من متغيرات اقتصادية وتحولات في منظومة التنمية الشاملة وجهود استدامتها، وبما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن الاستثمار الاجتماعي بات ركنا أصيلا من أركان التنمية، بل إننا يمكن أن نقول إنه حجر الزاوية في عملية التنمية الشاملة لدعم النمو الاقتصادي المستدام.

وأكد الطائي أن الحكومة الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- تبذل أقصى الطاقات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي على الرغم من التحديات الجسيمة التي تلاحقنا من كل صوب.. فالتذبذب الشديد في أسعار النفط، والتوترات التجارية حول العالم في ظل حروب تجارية وصعود عنيف للشعبوية المناهضة لقيم العولمة والانفتاح على الآخر، والاضطرابات الجيواستراتيجية، فضلا عن ركود اقتصادي عالمي يلوح في الأفق... كلها عوامل قد تسبب عرقلة لجهود التنمية، ما لم تتضافر هذه الجهود وتشكل حصنا للنمو الاقتصادي المنشود، خاصة وأننا على بعد خطوات قليلة من تطبيق الرؤية المستقبلية "عمان 2040".

تضافر الجهود

وشدد الطائي على أن تضافر الجهود يعني مضاعفة إسهامات القطاع الخاص في عملية التنمية، عبر ضخ المزيد من الاستثمارات الاجتماعية والسعي لضمان استدامتها، حتى لا تبدو وكأنها أموال خيرية أو تبرعات تحقق الفائدة لفترة وجيزة، دون ترك أثر حقيقي في المجتمع، أو تعزيز الاستدامة. وبين أنه من أجل تحقيق استدامة التنمية يجب أن تستند المشروعات والاستثمارات على 3 مرتكزات؛ الأول ضمان العائد الاقتصادي المجدي من المشاريع كي تتواصل الدورة الاقتصادية دون تعرضها لانتكاسات أو ركود، أما المرتكز الثاني فيتمثل في عدم إضرار هذه المشاريع بالتوازن البيئي بل الإسهام في صون الطبيعة وحماية البيئة، في حين أن المرتكز الثالث، يتجلى في دعم المشروع للتنمية في المجتمعات المحلية.

وأوضح رئيس تحرير جريدة الرؤية أن الأبعاد التنموية للمسؤولية الاجتماعية يجب أن تتجاوز حدود إقامة مجلس عام هنا أو إنشاء ملعب هناك، رغم أهميتهما ودورهما المؤثر مجتمعيا، مشيرا إلى أن المأمول من المسؤولية الاجتماعية أن تنتقل إلى آفاق التنمية المستدامة، وأن تسهم في إنشاء مشروعات تنموية يمتد أثرها إلى أجيال أخرى. وأعرب الطائي عن أمله في أن يرى القطاع الخاص يسهم- وفق مخصصات الاستثمار الاجتماعي- في بناء طريق جديدة تربط بين قريتين أو مدينتين، أن يعمل القطاع الخاص على تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير فرص العمل لشبابنا المثابر، وليس فقط الاكتفاء بتقديم التدريب والتأهيل، وهذا ليس تقليلا من شأن الجهود القائمة، بل إننا نقدم كل الدعم والتحفيز لهكذا مشروعات، إلا أنها تظل مؤقتة وغير مستدامة. ولهذا السبب نجتمع اليوم في هذا الملتقى للبحث في كيفية تحقيق الاستدامة؛ فأكبر تحد يواجه عماننا الحبيبة هو تحدي الاستدامة، وكيف يمكن للمشروعات بمختلف أنواعها أن تستمر في العطاء أو تتواصل مسيرتها لأجيال متعاقبة. وأكد الطائي أن ديمومة التنمية لا تعني فقط الحفاظ على منافع المشروعات لأطول فترة ممكنة، بل تشير إلى صون حقوق الأجيال القادمة في التنمية، والاستفادة من خيرات الوطن التي نستهلكها في الوقت الحاضر، ومن ثم الحفاظ على المنجزات لعقود طويلة، وحماية الثروات الوطنية من أن تستنفد في سنوات قليلة.

وأوضح الطائي أن الحديث عن استدامة المسؤولية الاجتماعية يستلزم الوقوف عند إشكالية الأولويات، ولطالما كانت هذه الإشكالية حاضرة في مختلف المشاريع النهضوية في العديد من التجارب العالمية، فيظهر السؤال الملح حول أولويات المرحلة وطبيعتها، وما إذا كانت الأولويات تتباين باختلاف الزمان والمكان.

وبين الطائي أن الأولويات تفرضها الظروف الراهنة والمعطيات على الأرض، ولذا يعمل واضعو الخطط وصانعو الاستراتيجيات التنموية على الموائمة بين المتاح من إمكانيات والمأمول من تطلعات.. لكننا عندما نشير إلى المسؤولية الاجتماعية، فإن الأولويات تتمثل في دفع عجلة الاقتصاد وتوظيف الشباب، أي أننا أمام أولويات اقتصادية بحتة، تستلزم من مؤسسات القطاع الخاص، وخصوصا الكبرى منها، أن تضخ المزيد من رؤوس الأموال في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الشباب على افتتاح مشاريعهم الخاصة، لتشجيع التوظيف الذاتي؛ إذ لم تعد الوظيفة الروتينية داخل المكاتب أو في مواقع العمل تتناسب وتحديات سوق العمل والتوظيف بالسلطنة. ولذلك نرى دولا أخرى تتوسع في اقتصاد الخدمات، لأن أغلب العاملين فيه يتحلون بالاستقلالية ويحصلون على عائدات مجزية.

التنمية الاقتصادية

وقال الطائي إن المسؤولية الاجتماعية في السلطنة يجب أن تركز على المدى المتوسط على جوانب التنمية الاقتصادية، من خلال تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ودعم الشباب الباحث عن عمل في تحقيق التوظيف الذاتي، بالتوازي مع استمرار تقديم برامج التأهيل والتطوير ورفع مستوى المهارات وصقل الخبرات، حتى يتمكن شبابنا من المنافسة في سوق العمل. وأضاف: "نؤمن بأن الدعم المالي يمثل أحد أوجه الاستثمار الاجتماعي في قنواته الحقيقية، وأود في هذا الجانب أن أتوجه بحديثي إلى المصارف ومؤسسات التمويل، لكي تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية وتسهم في تمويل مختلف المشاريع بفائدة منخفضة، بل يمكن أن يتم التمويل بفائدة صفرية، وفق ضوابط وضمانات تضعها هذه المؤسسات، كجزء من استثماراتها المجتمعية. فعلى سبيل المثال، قيام المؤسسات المصرفية بتمويل مشاريع رواد الأعمال يدعم أدوار مؤسسات حكومية أخرى مثل بنك التنمية أو صندوق الرفد". وتابع قائلا إن هذا الدعم المالي المأمول يمكن تطبيقه وفق توجهات استراتييجة ينبغي صياغتها بدقة، لضمان تحقيق أعلى قدر من المنافع والفوائد الاقتصادية.

وقال رئيس تحرير جريدة الرؤية إن تطبيقات المسؤولية الاجتماعية من شأنها أن تعزز القيمة المحلية المضافة للشركات، والتي أفضل تسميتها بالقيمة الوطنية المضافة، فالاستثمار الاجتماعي يحقق الكثير من العوائد على المؤسسة والمجتمع سواء بسواء، لذلك نجد أن مشاريع القيمة المحلية المضافة تتوازى في أهميتها مع مشاريع المسؤولية الاجتماعية، بل إن كلاهما يمكن أن يشكلا دعما كبيرا للتنمية الاقتصادية المستدامة في المجتمع، فإذا كانت القيمة المحلية المضافة تسعى إلى توطين الخدمات المقدمة للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وإتاحة المجال أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من هذه الاستثمارات، فإن مشاريع المسؤولية الاجتماعية يجب أن تستهدف كذلك دعم النمو وخلق فرص عمل مستدامة. ومن ثم تتشكل لدينا قوة دافعة نحو تنمية اقتصادية مستدامة تقوم في أساسها على العمل الجاد والمشروعات الحيوية التي توفر الوظائف وتضمن استمرار دوران عجلة الاقتصاد.

وأشار الطائي إلى دور المسؤولية الاجتماعية في تمكين الشباب وإتاحة فرص للنمو أمام المستفيدين من الاستثمار الاجتماعي، وأخص بالذكر رواد الأعمال ومشروعات المرأة المنزلية، موضحا أن رأس المال الاجتماعي عندما يصل إلى وجهته الصحيحة يوجد فرص عمل لشبابنا، والذي بدوره سيكون قادرا على تحقيق ذاته، وبناء مستقبله من الناحية المهنية والاجتماعية، ما يؤهله للتوسع في مشروعه، وهنا يتحقق التمكين الذي ننشده للشباب. وتابع أنه فيما يتعلق برواد الأعمال ومشروعات المرأة، فإن استفادتهم من الاستثمارات الاجتماعية تحقق لهم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي أيضا.

 

مقترحات للتطوير

وعبر الطائي عن أمله في أن يخرج البيان الختامي للملتقى بدعوة الجهات المعنية لتقديم تسهيلات للشركات الأكثر أداء لأنشطة المسؤولية الاجتماعية، والآمال تتعاظم مع بدء عمل الهيئة العامة للتخصيص والشراكة، وأن تدعم الهيئة الجديدة هذا الجانب، من خلال إعداد مؤشر للمسؤولية الاجتماعية والشراكة يضم الشركات والمؤسسات الخاصة المنفذة لهذا النوع من المشاريع، ومن نضمن أن تقدم التسهيلات للشركات المستحقة عن جدارة وثقة. واقترح الطائي تضمين المسؤولية الاجتماعية ضمن شروط تجديد التراخيص للشركات الكبرى التي تزيد أرباحها عن 5 ملايين ريال سنويا، وتخصيص نسبة ثابتة من هذه الأرباح لمجالات المسؤولية الاجتماعية.

واختتم الطائي البيان الافتتاحي بالدعوة إلى تكاتف الجهود من أجل توظيف التقنيات الحديثة في تحقيق الاستدامة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة بشكل عام، والاستفادة من تقنيات الحوسبة السحابية وبرامج تحليل البيانات لاستخلاص النتائج وتنفيذها على أرض الواقع، وكذلك طرح مبادرات خلاقة تدعم تطبيق التقنيات الحديثة في برامج التنمية المستدامة، والتي يطلق عليها المتخصصون مصطلح "الاستدامة الذكية".

تقدم واستقرار

وألقت الدكتورة عروب السيد يوسف الرفاعي دكتورة المسؤولية الاجتماعية للشركات بدولة الكويت الكلمة الرئيسة؛ حيث قالت إن الشركات في عالم اليوم ينظر إليها على أنها كيانات شريكة في تحقيق التقدم والاستقرار والرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعها، وقيام الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية ينعكس ايجابا عليها كما ينعكس على مجتمعها؛ إذ إن تطبيق المسؤولية الاجتماعية يقود الى متانة في سمعة الشركة وزيادة قدرتها التنافسية وولاء اكبر من الزبائن والموظفين، بجانب المتانة في علاقة الشركة بشركائها وعلى رأسهم الحكومة التي تجد التعامل مع هذه الشركات سلس لكونها أكثر شفافية ومتانة واستقرار.

وأشارت الرفاعي إلى أن المسؤولية الاجتماعية ليست بالجديدة على شركاتنا المحلية، بل مارستها عبر أنشطة ومراكز وتقارير خصصت لذلك، كما مارست شركاتنا مسؤولياتها الاجتماعية عبر تاريخ بلداننا الطويل الذي لم يتوقف به التجار عن البذل والعطاء والمساهمة.  وأوضحت أنه بالامكان ان تنتقل مساهمات شركاتنا الى مرحلة جديدة أكثر مؤسساتية واستدامة، وأقوى تأثيرا وأوسع نشاطا وأعمق أثرا، عبر أدوات منها هذا الملتقى؛ حيث نتبادل الخبرات ونتحاور، متعاونين فيما بيننا بما فيه خير مجتمعنا. ودعت الدكتورة عروب إلى مناقشة 4 قضايا أساسية، الأولى الاتفاق على تعريف للمسؤولية الاجتماعية للشركات، لنطمئن اننا نتحدث جميعا عن نفس المفاهيم والدوائر، مشيرة إلى أن المسؤؤلية الاجتماعية للشركات مصطلح واسع  يرى أنه على الشركات أن تقوم بأربع مسؤوليات تجاه مجتمعها: الاولى المسؤولية الاقتصادية، والثانية المسؤولية القانونية، اما المسؤولية الثالثة فهي مسؤولية اخلاقية بأن تلتزم الشركة طوعا بقيم الصواب والعدل. في حين أن المسؤولية الاخيرة فهي المسؤولية الخيرية، وهي ذات طبيعة تطوعية أيضا، بموجبها تقوم الشركة بالمساهمة في تحسين اوضاع مجتمعها مدفوعة بحبها لهذا المجتمع وحبها لخير الانسان.

ملامح المسؤولية الاجتماعية

ولفتت الى أن بعض الدراسات أوردت 50 ملمحا للمسؤولية الاجتماعية للشركات تغطي قضايا متنوعة كالبيئة وحقوق الانسان والاستثمار في المجتمع والميثاق الاخلاقي والحوكمة وغيرها، موضحة أن الدراسات التي تمت في منطقتنا العربية وجدت ان ابرز ما تورده الشركات المحلية في تقاريرها هو الاعمال ذات الطابع الخيري المتعلقة بقضايا التعليم والصحة والرياضة وما شابهها، دون تناول الأنشطة الأخرى الأخلاقية كالبيئة والتنمية المستدامة وغيرها.

ودعت الرفاعي إلى ضرورة تجذير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال ربطه بديننا وقيمنا وتاريخنا؛ إذ لا يمكن فهم تطبيقات المسؤولية الاجتماعية للشركات في الغرب دون فهم البيئة والفلسفة والتاريخ والواقع والحوارات المجتمعية في دولهم والتي سبقت ظهور المصطلح ورافقت تطوره.

وشددت الدكتورة عروب على ضرورة إجراء تغييرات ادارية من شأنها أن تعزز المؤسساتية في إدارة المسؤولية الاجتماعية داخل الشركات، وبالذات التوقف عن إيكال أنشطة المسؤولية الاجتماعية لتقوم بها ادارة العلاقات العامة. وبنيت أنه ضمن نقطة مأسسة المسؤولية الاجتماعية، فإن الدول النامية تفتقر للنماذج والسياسات والمعايير الواضحة المدونة والمعلنة، وترتب على ما سبق أن الكثير من الأنشطة التي تقوم بها الشركات أنشطة هامشية وضعيفة، ولا تعكس استغلالا حقيقيا للمال والوقت والجهد الذي يبذل فيها.

وأوضحت أنه من الضروري الحديث عن اشكالية الشراكة بين القطاعات الثلاث الخاص والاهلي والحكومي، وهي نقطة تأتي لصالح الشركات والتي كثيرا ما يحصل انها لا تجد الشريك الواعي الملم بمتطلبات الشراكة  الناجحة من حيث المصالح المشتركة والتفاهم الكامل والقوانين الواضحة والعمل المتكامل. وقالت إن قيام الشركات ببرامج اجتماعية يجعلها امام اشكالية تصميم وتنفيذ تلك البرامج، والتي غالبا ما تكون بعيدة عن دائرة خبرتها الاقتصادية والفنية، وإن غياب الشريك الحكومي أو الشريك الأهلي يثقل كاهل الشركات بتفاصيل اجتماعية بعيدة عن خبرتها، ويجعلها مساهماتها الاجتماعية ذات تأثير أقل مما يمكن أن تكون عليه، بينما دخول الشركات في شراكات حقيقية يحقق فوائد على مستوى الشركة كتحسين سمعتها، وزيادة ثقة المساهمين، وعلى مستوى نفع المجتمع كالتأثير على السياسات العامة للدولة وتحقيق تغيير اجتماعي بناء.

إلى ذلك، قدم السيد حامد بن سلطان البوسعيدي المدير التنفيذي لمركز عمان للحوكمة والاستدامة ورقة العمل الرئيسية للملتقى.

وأعقب ذلك، تكريم صاحب السمو السيد الدكتور الخطاب بن غالب آل سعيد، للمتحدثين الرئيسيين والرعاة والداعمين لأعمال الملتقى.

وانطلق المحور الأول من الملتقى وحمل عنوان "الأبعاد التنموية للمسؤولية الاجتماعية"، حيث قدم خالد بن عبدالله المسن الرئيس التنفيذي بالمؤسسة التنموية للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال ورقة عمل بعنوان "أولويات المسؤولية الاجتماعية للشركات"، تحدث فيها عن أبرز محطات رحلة المؤسسة في العمل التنموي، مؤكدا الحرص على استشراف آفاق المستقبل والبناء على النجاحات السابقة، مشيرا إلى أنه يتم تخصيص نسبة 1.5% من صافي الربح السنوي للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال لتمويل برامج الاستثمار الاجتماعي في المؤسسة. وقال إنه تم دعم وتمويل اكثر من 6000 مبادرة وطنية ومشروع في مختلف القطاعات، عبر 3 صناديق للاستثمار الاجتماعي: صندوق دعم المجتمع المحلي الذي يركز على دعم المجتمع المحلي في ولاية صور والمجتمعات المحيطة بمصنع الشركة، إلى جانب الصندوق الوطني الذي يهدف إلى تنمية الموارد البشرية والمشاريع الوطنية والدعم والرعاية، والصندوث الثالث هو الصندوق الاحتياطي الذي يسعى إلى استدامة برامج المسؤولية الاجتماعية في المستقبل.

وقدم الدكتور حامد بن عبدالله البلوشي مستشار الرئيس التنفيذي لشركة فالي عمان ورقة عمل بعنوان "الأبعاد التنموية للمسؤولية الاجتماعية".

وأقميت بعد ذلك الجلسة النقاشية الأولى، وشارك فيها السيد حامد بن سلطان البوسعيدي المدير التنفيذي لمركز عمان للحوكمة والاستدامة، وخالد بن عبدالله المسن الرئيس التنفيذي للمؤسسة التنموية للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال، والدكتور حامد بن عبدالله البلوشي مستشار الرئيس التنفيذي لشركة فالي عمان، والمعتصم بن سعيد السريري مدير المسؤولية الاجتماعية بشركة النفط العمانية، والدكتورة عروب السيد يوسف الرفاعي دكتورة المسؤولية الاجتماعية للشركات بدولة الكويت، والدكتور محمد محمد فودة أستاذ العلوم الاجتماعية بكلية الآداب والعلوم التطبيقية بجامعة ظفار، فيما أدار الجلسة الإعلامي عوض بن عمر صعر.

وشهد المحور الثاني من الملتقى الذي حمل عنوان "الأولويات الإجتماعية واستدامة الأداء"، عقد الجلسة النقاشية الثانية، وشارك فيها محمد بن عوفيت المعشني مدير عام شؤون الشركة بميناء صلالة، وخميس بن زاهر الفهدي مدير عام المديرية العامة للتنمية الاجتماعية بمحافظة ظفار، والدكتورة فاطمة عبدالله الدربي خبيرة المسؤولية الاجتماعية، والدكتور مسلم بن أحمد  تبوك خبير الشؤون الزراعية بوزارة الزراعة والثروة السمكية، وأمل بنت محمد العمري نائب رئيس فريق الأيادي البيضاء، فيما أدار الجلسة الباحث هيثم بن محمد الجعدي.

تعليق عبر الفيس بوك