"فورين بوليسي": رئيس وزراء بريطانيا يواجه المجهول.. والمملكة المتحدة أمام "اضطرابات هائلة"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الحكم الصادر من أعلى محكمة في بريطانيا بأن تعليق رئيس الوزراء بوريس جونسون مؤخراً لعمل البرلمان كان "غير قانوني"، ألقى بمستقبل جونسون في غياهب المجهول، وجعل وعده بإخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في الموعد المعلن في أكتوبر المقبل غير قابل للتحقق.

وفي حكم بالإجماع شديد اللهجة، خلص جميع القضاة الأحد عشر في المحكمة العليا البريطانية إلى أن قرار الحكومة بتعليق البرلمان في وقت سابق من هذا الشهر "كان غير قانوني لأنه كان له تأثير على إحباط أو منع قدرة البرلمان على القيام بوظائفه الدستورية". وقالت المحكمة إن الحكومة "ليس لديها أي مبرر" بتعليق البرلمان لمدة خمسة أسابيع، وقضت بأنه بما أن الأمر بتعليق البرلمان غير قانوني، فإن مجلس العموم لم يتم تعليقه في الواقع، وقرار جونسون هو والعدم سواء.

وبعد دقائق من الحكم، طالب جميع زعماء أحزاب المعارضة باستقالة جونسون، ودعا رئيس مجلس العموم البرلمان إلى الانعقاد. ووصف زعيم حزب العمل جيريمي كوربين تعليق جونسون للبرلمان بأنه "إساءة استخدام للسلطة" أظهر "ازدراءه للديمقراطية". وقال زعيم الديمقراطيين الليبراليين جو سوينسون إن تحرك جونسون كان "عملاً غير قانوني يهدف إلى منع البرلمان عن أداء وظيفته".

ووضعت صحيفة "ستاندارد" المسائية، والمناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في صدر صفحتها الأولى صورة لجونسون وكتبت تحتها "GUILTY" أي مذنب.

ورفض جونسون بشدة أي اقتراح بشأن استقالته. وقال "كما قلت سابقًا.. لنكن واضحين تمامًا بأننا نحترم القضاء في بلدنا ونحترم حكم المحكمة". وقال رئيس الوزراء، متحدثًا بجوار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك: "إنني أختلف بشدة مع ما قالوه". ورداً على سؤال لجونسون إذا كان قد يتنحى، تدخل ترامب: "سأخبرك، أعرفه جيدًا، لن يذهب إلى أي مكان"، فيما رد جونسون قائلا: "لا.. لا.. لا".

وكان جونسون، الذي فقد أغلبيته البرلمانية البسيطة في وقت سابق من هذا الشهر بعد تمرد قام به 21 من أعضائه في البرلمان، قد استجاب بتعليق البرلمان لمدة 45 يومًا في إجراء غير مسبوق على الإطلاق، وكان  من المفترض إتاحة الوقت للحكومة لإعداد برنامج تشريعي جديد. وقال متحدث باسم جونسون في ذلك الوقت: "لم يكن للتعليق علاقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". وتضمن نص حكم المحكمة العليا، اتهمها للحكومة بشكل أساسي بالكذب.

ومن المحتمل ألا تتسبب دعوة المعارضة لجونسون في الاستقالة بخروج الرجل من رئاسة الحكومة، على الرغم من أن المعارضة مجتمعة تحظى الآن بأغلبية عامة في البرلمان، مما يشل قدرة الحكومة فعليا على تمرير أي تشريع، كما إنها لم تتخذ حتى الآن خطوة للإطاحة بجونسون في اقتراع بسحب الثقة أو الدعوة إلى انتخابات جديدة.

وترى المجلة أن السبب في أن كوربين وزعماء المعارضة الآخرين يترددون في الإطاحة بجونسون هو حساب انتخابي بسيط؛ حيث عزز شعار "افعلُ أو أموتُ"- الذي طرحه جونسون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر- شعبية حزب المحافظين المتصاعدة في استطلاعات الرأي وأوقف على ما يبدو موجة من الناخبين الذين انشقوا عن حزب المحافظين إلى حزب الاتحاد الأوروبي المعادي بشكل أكبر. وتُظهر استطلاعات الرأي أن المحافظين يحصدون حوالي 32% من الأصوات، فيما حصل حزب العمال على 24% بينما نال الديمقراطيون الليبراليون 20%.

وكان الإجراء النهائي للبرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة قبل تعليقه هو إقرار قانون يلزم الحكومة بمطالبة الاتحاد الأوروبي بتمديد الموعد النهائي لخروج بريطانيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق في آخر اجتماع متبقي للمجلس الأوروبي يومي 17 و18 أكتوبر. وإذا تمكن البرلمان من إجبار جونسون على التراجع عن وعده "افعل أو أموت"، فسوف تتضرر آمال المحافظين في الانتصار في الانتخابات بسبب خروج جماعي من المتشددين إلى حزب بريكست ، الذي برنامجه الانتخابي الوحيد : هو إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون أي اتفاق على الإطلاق.

وقالت المجلة إن هذا المنطق سيظل قائما بمجرد انعقاد البرلمان في أعقاب هزيمة الحكومة بعد حكم المحكمة، لكن ثمة أمر واحد فقط سيتغير فعليًا من الآن وحتى نهاية أكتوبر، فبدلاً من الأسابيع القليلة الهادئة نسبيًا التي كان جونسون يأمل في توظيفها لوضع أجندته المحلية للانتخابات المقبلة من خلال زيارة المدارس والمستشفيات وأكاديميات الشرطة، فإن الحكومة سوف تواجه، هجوم برلماني شبه يومي.

وأضافت المجلة في تقريرها أن هناك خيار آخر للمعارضة يتمثل في إسقاط جونسون عبر اقتراع بحجب الثقة ومحاولة تشكيل حكومة وحدة وطنية مشتركة بين الأحزاب، مشيرة إلى أن هذا الحل استخدم من قبل إبان الحرب العالمية الثانية. لكن الديمقراطيين الليبراليين، ثاني أكبر حزب معارض، برفضون بشدة أي صفقة من شأنها أن تضع كوربين- الذي بصفته زعيماً للمعارضة- المرشح الطبيعي لرئاسة الوزراء المؤقتة، أو حتى كرئيس لتحالف مؤقت.

واختتم المجلة تقريرها قائلة إنه مع عودة البرلمان الآن رسميًا إلى الانعقاد، لم يعد لدى جونسون مجال كبير للمناورة. وهناك طريقتان فقط يستطيع بهما الوفاء بوعده وإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد. إحداهما إبرام صفقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي في 17 أكتوبر وتمريرها بالبرلمان في الأسبوعين الأخيرين قبل 31 أكتوبر. أما الحل الآخر فيتمثل في تحدي القانون الذي يُلزمه بالسعي لتمديد المهلة في حالة الفشل في التوصل إلى اتفاق وإخرج بريطانيا بدون اتفاق، مما سيتسبب في اضطراب اقتصادي هائل للتجارة في بريطانيا، ويؤثر كذلك على إمدادات الأغذية والأدوية، وفقًا لتوقعات الحكومة.

تعليق عبر الفيس بوك