بين الناس..!

 

 

فاطمة الحارثي  

في الله،

قديما..

الأول: لماذا تهتم بفلان وتحرص على مساعدته؟

الثاني: لأنني أحبه في الله وأحترمه.

الأول: لماذا تساعد فلانه وتدافع عنها؟

الثاني: لأنني أقدرها وأحترمها، وأعزها في الله.

الآن..

الأول: لماذا تهتم بفلان وتحابيه، وإن كان ظالما وكاذبا؟

الثاني: لأنه قريب للمسؤول الفلاني ويعرف "فلان"؟

الأول: لماذا تساند فلانة وتدعمها رغم أنها متنمِّرة وكاذبة؟

الثاني: لأنها أخت فلان، وزوجة فلان، وابنة المسؤول فلان، وتعرف المسؤولة الفلانية؟

وما رأيك عزيزي القارئ/ القارئة، هل ما ورد أعلاه خطأ أو مبالغة مني؟ قديمًا كانت هناك عواطف وفكر "في الله" وحميمة وسكينة في العمل والمنزل وبين الناس. أما الآن، فالكثير من مشاعرنا أصبحت آلية، تخال أنها تستطيع أن تغير مستقبلنا أو حياتنا. تجرُّدنا من إنسانيتنا من أجل كراسي لن تدوم، وسلطة زائلة، ومصالح قد لا ينالها الساعي.

***

كان لي صديق،

قيل لي إنَّك حاضر دائمًا لي والارتباط بيننا متين، وثمة قصص كثيرة عن وفاء الصديق وصلاح الإنسان برُفقة الصديق الطيب، أننا نتبادل الأسرار ونشجع بعضنا البعض، نبكي سويًّا ونضحك سويًّا ونمارس الشقاوة دون تكلفة. نؤازر بعضنا البعض ونخلص بكل ثقة، أعطيتك كتفي لتبكي عليها، وظهري لتستند إليه، وولائي لتعلو به.

متى أصبحتُ لك أيها الصديق حقيبة استثمار تستغل نقائي؟ متى بت تتأجج غضبا عند ذكري في خير؟ متى بدأت تهزأ بي وتسخر مما كنت تذكيه فيَّ من صفات؟ منذ متى دنست صدق وإخلاص الصديق ونقاء العلاقة؟ إنني أعلم الكثير وإن كنتُ صامتًا، أعلم عن كل الفتن، وأشيح عنك لأنك لم تعد تُشبهني ولا تشبه صديقي.

***

صرخة إنسان،

يأتي بجمال قلبه وعُمق صمته المعتاد ليهمس: "إن العبرات اجتاحت كياني، إنها المرة الأولى التي يُعاملني فيها مسؤول كإنسان"، سقطت كلماته على السامع كالرصاصة اخترقت صدر الإنسانية. أين أنت أيها المسؤول في زمجرة تكبرُّك عندما يُخاطبك إنسانا بسيطا دون ألقاب، وهذا القلب الجريح الذي لم يذق إنسانيتك في تعاملك.

متى أُعْطِي المسؤول حقَّ التسلط على رقاب الناس؟ هل لأنه يُعامَل بذات الطريقة؟ أم لموت الرقيب أمام الكلمات المنمَّقة والخدمات الخاصة والمصالح والمنافع؟ استيقظوا يا قوم.. إن الله يرى ويسمع ويغضب.

***

الولاء والانتماء،

على أرض الله وبأمره وُلِدنا ونشأنا، تعلم البعض منا ودرس البعض الآخر، نهلنا من علوم الله وأنفقنا من مال الله، إننا نتنفَّس بأمره وأرواحنا تهيمن على أجسادنا بحكمه، ثم يأتي أحدهم ليسألك عن ولاء وانتماء، ليحكمك بالمادة التي لا يملكها، وبالسلطة التي يتقمَّصها، والقوة التي ليست لديه، كثُر فراعنة وفسافس هذا الزمان والمكان؛ أهي فتن الله لأهل هذا الزمان أم لعنة من الله!

نحن، هكذا جُبلنا وهكذا سنبقى، يدًّا بيد نؤمن بالجماعة ونرفض الشللية والتحزب والشر والإرهاب، نعمر أرض الله بوحدة قلوبنا وأيديولوجية عُلوم علمنا أيها رب الكون، نحن خلفاء الله على الأرض والشورى منطُقنا، تشربنا نقاء قرآننا والصبر جلدتنا.

***

رأي الآخر،

"هناك نسبة كبيرة من الناس في العالم تعيش في الجحيم؛ لأنها تعتمد كثيرا على رأي الآخرين"

جان بول سارتر

من يكون الآخر؟ هل هو مَنْ هيَّأ معيشتك على الأرض، أم قوَّم جسدك، أو أعطاك رزقك من علم وطعام وسكن، أو حتى اختار نسبك لتعطي لرأيه اهتماما أو أهمية أو حتى يكون له تأثير في شخصك وفكرك أو قناعتك. من يكون هو ليقرِّر أن تختلف أو تتغير أو حتى أن تتشكل بالطريقة التي تناسبه أو تتناغم مع عقليته! كن أنت، فلقد وُلِدت أصيلًا ولست "نسخة" ولا تقبل أن تطمس اختلافك؛ لأنه ما يُميزك ويضع بصمتك الخاصة فيما حولك، يجعل لحضورك نكهة وطعما يبقى بعد رحيلك وغيابك. لا يجب أن تكون إمَّعة أحد، أو تتشكل لأجل أحدهم في زمن غاب فيه القدوة الحسنة، وزعزعت العولمة مصداقية المعتقد والصواب والحقيقة.

----------------

رسالة:

وسائل الإعلام تحملُ رسائل وفكرًا وحياة، وليست كراسي حلَّاق، ولا مصانع ترفيه، وجب احترامها وتقدير كل جملة تُرسل من خلالها ومدى تأثيرها على الأفراد والمجتمع، هي ليست منصة للشهرة أو وسيلة للترفيه أو التعبير عن نفسيات أو خصوصيات، بل وجدت من أجل تعميم رسائل نافعة مُلهم مُرشده تُحيي نهضة الإنسان والأوطان، وجب إدراك أن وسائل الإعلام هي شريان بقاء النظام والسلام، وليست مرتعًا لاستنبات الخبيث والضار.

(إنَّ عبثا هينا بكلمة "إعلام" يحولها ببساطة إلى "إعدام") - أحمد مطر