الحقيبة المدرسية ما لها وما عليها

 

د.عامر بن محمد العيسري| أكاديمي بجامعة السلطان قابوس


طالعنا في مواقع التواصل نقاشات وتساؤلات وانتقادات ومقترحات حول الموضوع القديم والمتجدد دائما مع أهميته الكبيرة لدى الجميع آباء وأمهات وتربويين ومسؤولين ومجتمع. إنه موضوع الحقيبة المدرسية، وزنها ومكوناتها و ما تمثله من أهمية للطالب ومن عبء عليه على حد سواء.

يجب أن نتفق بداية أن مكونات الحقيبة المدرسية ووزنها ليست مسؤولية المدرسة وحدها، نعم قد يكون للمؤسسات التربوية والمدرسة نصيب الأسد في كمية محتوى الحقيبة من كتب مدرسية من حيث عددها وحجمها ودفاتر ومستلزمات مدرسية، والمنطق العلمي والصحي والدراسات تؤكد أن حقيبة الطالب ينبغي أن لا يزيد وزنها عن ١٠ إلى ١٥ ٪ من وزن الطالب الكلي.

وإذا بدأنا بمسؤولية الأسرة كونها نقطة الانطلاق التي يبدأ بها الطالب يومه وحياته العلمية ، فعلى الاسرة أن تختار لابنها حقيبة مناسبة ذات وزن خفيف حيث تتراوح الحقائب وهي خاوية بين ٣٠٠ جرام و ٢ كيلو غرام تقريبا إذا عددنا منها الحقائب ذات العجلات، وقطعا نتوقع أن ولي الامر الذي يتحدث عن وزن حقيبة ابنه التي تعدت ٦ كغم ، لو وزن الحقيبة خاوية لوجدها تصل الى قرابة الكيلو وربما الكيلو والنصف.

كما يوجد داخل الحقيبة مكونات أخرى تزيد من وزنها يمكن أن يتحكم في اختيارها ولي الأمر مثل المقلمة وحافظة الطعام و حافظة الماء (المطَّارة)، وحافظة الأشكال الهندسية في مستويات الصفوف العليا، فكل هذه المكونات تتعدد وتختلف في أوزانها وأحجامها والمواد المصنوعة منها ومحتواها وأهمية وجودها داخل الحقيبة المدرسية، وعلى ولي الأمر أن يعين أبنه على اختيار الجيد مما خف وزنه من هذه المكونات.

كما أن الدفاتر أيضا من المكونات التي يمكن ان تتدخل الأسرة في اختيارها خفيفة ومناسبة فقد لوحظ عدد كثير من الطلاب يحملون دفاتر ذات أغلفة ثقيلة وعدد أوراق كثير ليس لها داع ولا يتطلبها محتوى المادة، والدليل وجود كثير من الدفاتر لدى الطلاب تبقى في نهاية الفصل الدراسي محملة بأوراق بيضاء لم يكتب فيها شيء، وهنا تكون المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة في تحديد نوعية وحجم وعدد الدفاتر والكراسات ليتعاون الجميع في اختيار الأنسب والاخف لأبنائنا. ويمكن أن نجد تفصيلا وتمثيلا منطقيا على ما ذكرنها من خلال الاطلاع على المقطع المصور في رابط اليوتيوب هذا :

وكما ذكرنا في البداية أن المؤسسات التربوية والمدارس تحمل على عاتقها المسؤولية الأكبر في هذا الشأن ويتوقع منها الكثير، كما تفعل دول عديدة من أساليب البحث عن حلول ناجعة ومفيدة وممكنة التطبيق علميا على أرض الواقع، ومن نافلة القول أن نشير إلى أن على المعنيين بوزارة التربية والتعليم أن يستمروا في البحث عن حلول جذرية فعالة تسهم في تنظيم التعليم والجدول المدرسي والواجبات المنزلية التي من شأنها كلها أن تسهم بفاعلية في تقليل وزن الحقيبة المدرسية.

ويمكن ان نستعرض بعض المقترحات التي بدأت وزارة التربية والتعليم وعدد من المدارس في تطبيق بعضها او التفكير فيها ، ومنها المقترحات الاتية :

* إن فكرة تجزئة الكتاب المدرسي برغم كلفتها الطباعية تعد حلا جيدا فيتم طباعة الكتاب في جزأين أو أكثر، بحيث لا يتكلف الطالب بحمل كتاب كبير وإنما جزءا من كل كتاب .كما أن اختيار الوزارة لنوعية الأغلفة والاوراق الخفيفة المناسبة بالتأكيد سيسهم أيضا في تقليل وزن الحقيبة.

* إن تنظيم الجدول المدرسي اليومي وتنظيم الواجبات المنزلية أمر مهم جدا وينبغي أن تتأكد الوزارة من فاعلية تطبيقه وتوعية المعلمين بأهميته، مع استخدام الآليات التي تساعد في تخفيف وزن الحقيبة، وقد قامت بعض إدارات المدارس بمبادرات تخدم هذا الجانب فقامت مدرسة بتوزيع الجدول المدرسي على الصفوف بحيث يخصص للصف الواحد يوم للمواد الإنسانية ويوم للمواد العلمية مما ينظم عملية التعلم والواجبات المنزلية لدى الطالب في كل يوم، وهناك مدرسة حددت لكل صف واجباته بحيث يأخذ الطالب دفتر أو اثنين فقط لمادتين كل يوم لكتابة الواجب في المنزل وذلك بالتنسيق بين معلمي الصف وتناوبهم في طلب الواجبات بشكل منظم وهذا من شأنه تقليل عدد المواد والدفاتر التي يحملها الطالب في حقيبته، ومدرسة أخرى قررت أن يكتب الطلاب واجباتهم في المدرسة فقط ولا يأخذ الطالب دفاتره للمنزل إلا في عطلة نهاية الأسبوع، أو فترة الاختبارات للمذاكرة، وهذا ساعد بشكل واضح في تقليل وزن الحقيبة المدرسية.

كما قامت مدرسة أخرى بتنفيذ تجربة حصلت عليها من إحدى الدول المتقدمة بتوفير دواليب مخصصة لكل طالب بكل صف دراسي يضع فيها الطلاب كتبهم بشكل منظم ويتم ترتيبها يوميا في نهاية اليوم الدراسي وفق الجدول المدرسي لليوم التالي .

- إن قضية زيادة وزن الحقيبة المدرسية تعاني منها دول عديدة، ويمكننا على سبيل المثال نستعرض موقع اليوتيوب هذا

2rtIpweS4MY

الذي يوضح قيام المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية بإطلاق حملة إعلامية وفتح المجال للجميع لتقديم المقترحات والمرئيات  والحلول المناسبة لهذه القضية، حيث تم التطرق إلى عدد من المقترحات المذكورة آنفا ، كما تم طرح فكرة حوسبة المقررات و استخدام أجهزة الأيباد، والحواسيب  بديلا عن الكتب الدراسية، وبالرغم من أهمية كتابة الطالب بيده والتعود على قراءة الكتب من الورق ووضعها بين يديه، إلا أن مواكبة العصر والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مهم جدا من حيث التفكير في حوسبة بعض المقررات و تحويلها إلى اسطوانات وبرامج وتخزينها بشكل منظم في مواقع الكترونية يسهل للطالب التعامل معها في المدرسة والبيت بحيث لا يستدعي لأن يحملها الطالب على شكل كتب ورقية في حقيبته.

وقد أجرت بعض الدول العربية دراسات عديدة حول موضوع وزن الحقيبة المدرسية ومكوناتها، ومنها علي سبيل المثال دراسة أجريت في الصفوف الثلاثة الأولى بالمدارس الأردنية عام ٢٠١٣ هدفت إلى تقويم الحقيبة المدرسية للصفوف الثلاثة الأولى في عينة من المدارس من وجهة نظر المعلمين وأولياء الأمور والطلبة، وقد بينت النتائج أن (63%) من الطلبة عينة الدراسة يحمل حقائب ثقيلة الوزن حيث متوسط نسبة وزن الحقيبة إلى وزن الطالب يفوق (20%).وأن اتجاهات أكثر من (60%) من الطلبة اتسمت بالسلبية نحو المدرسة بسبب الحقيبة المدرسية، وأن أكثر من (30%) من الطلبة يعاني من آلام جسدية في أسفل الظهر، والكتفين يرجح أن تكون ناجمة عن حمل الحقيبة المدرسية. وقد أوصت الدراسة بأن يُعاد النظر بالحقيبة، وأن يحاول المعنيون أن لا يحمل الطالب حقيبة يزيد وزنها عن (10%) من وزن جسده، والوعي بمخاطر الحمل الثقيل على صحة الطفل، والتعرف إلى طرق الحمل الصحيحة للحقيبة المدرسية، وأن يعاد النظر بتنظيم الغرف الصفية، والمناهج الدراسية والإدارات المدرسية بطريقة تخفف من وطأة الحقيبة المدرسية من خلال عملية تقويم شاملة لمدخلات العملية التعليمية والتربوية والعمليات ذات الصلة بالتعامل مع الحقيبة المدرسية لتقليل السلبيات والحد من آثارها السلبية على صحة الطفل الجسمية والنفسية.

كما أجريت في الجزائر علم ٢٠١٧ دراسة هدفت إلـى التعـرف علـى مـدى تـأثیر الحقیبـة المدرسية علـى اضـطرابات العظـم العضلية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية السنوات (الثانية، الثالثة، الرابعـة، الخامسـة)، ومقارنـة وزن الحقیبة بوزن الطفل، وقد أكدت النتائج على الأثر السلبي للحقيبة المدرسية على الاضطرابات العظمية العضلية، وأن وضعيات حمل الحقیبة المدرسية غیر وقائية من آلام الظهر. كما أكدت النتائج أن وزن الحقیبة المدرسية لا یوافق وزن تلاميذ المرحلة الابتدائية. وأوصلت الدراسة بتحســیس التلاميذ بــاحترام التوقيت الأســبوعي، وتقليص حجــم الكتــب وتجزئتهــا حســب الفصــول الدراسية، وإبقــاء الحقيبة فــي منتصــف البوم بالمدرسة وتوعية أولياء أمور الأطفال بمراعاة شكل وحجم وجودة الحقیبة عند اقتنائها، وحوسبة المناهج الدراسية.

إن جميع الحلول والمقترحات التي ذكرناها وغيرها من الحلول والتجارب والمبادرات الناجحة الأخرى ينبغي أخذها بمحمل الجد من الجميع والتوعية بأهميتها والتعاون من أجل تفعيلها بما يخدم المصلحة الفضلى للطلاب وتيسير سبل طلب العلم لهم .

تعليق عبر الفيس بوك