"الشورى" لا يحلِّق دون المرأة

د.بدرية بنت ناصر الوهيبية

استطاعتْ المرأة العُمانية أن تثبت جدارتها في مختلف المجالات، وتحقق مستويات متميزة من التقدم والرقي والإنجازات البارزة في خدمة المجتمع، وكان ذلك استكمالا لما قدمته المرأة من قبل عصر النهضة المباركة، فقد مارست أدوارها المجتمعية مع أخيها الرجل، فضلا عن أدوارها في المشهد السياسي في السلطنة، ويحفظ لنا التاريخ أسماء نساء عمانيات بارزات، أثبتن أدوار وطنية واضحة؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر منها: السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (1741-1783)، والتي حكمت عُمان مؤقتا إلى أن تسلم السيد سعيد بن سلطان مقاليد الحكم، وقد برز دورها البطولي في فك حصار مسقط في تلك الفترة. والعالمة عائشة بنت راشد بن خصيب الريامية، التي وُلدت في بهلاء وكانت فقيهة صاحبة مدرسة فقهية يرتادها طلاب العلم، وشاركت العلماء مناقشاتهم العلمية وتباحثهم في المسائل الفقهية من خلال المجالس والرسائل العلمية المتبادلة، وحازت عائشة ثقة جميع فئات المجتمع العماني، حتى أصبحت إحدى أبرز علماء عصرها، وكان لها موقف سياسي في مبايعة سيف بن سلطان اليعربي على الإمامة. وكذلك الغالية بنت ناصر العطابية، التي كان لها دور كبير في خدمة مجتمعها خلال الفترة 1932-1970م، وغيرهن من العالمات العمانيات، ليتَّضِح لنا جليًّا ما وصلت إليه المرأة ونالت على أثره بالغ التقدير من قبل مجتمعهن بفضل إدارتها لشؤون الدولة وخدمة مجتمعها. ولم يقف الرجل حجر عثرة في طريق المرأة، بل شجعها وأخذ بمشورتها وعمل بها، وأعطاها قدرها، وكان السبب في هذا الاحترام نابعًا من تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة التي نظرت للمرأة نظرة مساوية للرجل؛ فالإسلام نظر للمرأة على أنها شقيقة الرجل، مساوية له في الحقوق والواجبات، وأظهر لنا التاريخ طبيعة الرجل العُماني طبيعة سمحة محبة، والذي ساند المرأة لتنال حظها من العلم؛ مما أهلها لتكون مستشارة في الشؤون الحياتية المختلفة، وكان رأيها يُعتد به ويُؤخذ به، وليس أدل على ذلك من أن السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي (1856) مع أنه رجل دولة من الطراز الأول، إلا أنه قرب منه بناته واستشارهن في الكثير من الأمور، وحرص السيد برغش بن سعيد على مشاورة أخواته؛ وظلت أخته خولة مستشارته طوال فترة حياتها.

وسارتْ عُمان على هذا النهج في عصر النهضة، مُستظلة بحكمة صاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- الذي أولى المرأة اهتماما بالغا، وخصص يوما للمرأة العمانية تستعرض فيه منجزاتها، وحث على تمكينها ومشاركتها؛ لذلك تقلَّدت المرأة مناصب قيادية في مختلف الميادين؛ فهناك الوزيرة، والوكيلة، والسفيرة، والطبيبة، والمعلمة، والشرطية، ووكيلة ادعاء عام، وحاضرة في مختلف المناصب العليا، ووجه صاحب الجلالة إلى أهمية مشاركة المرأة بفكرها وتطوير شؤون وطنها، بإعطائها حق الترشيح والترشح منذ عام 1994 في انتخاب أعضاء مجلس الشورى، ومن ثم وسعت فرصة مشاركتها في العمل الشوروي بتعيينها عضوة في مجلس الدولة؛ فكانت مشاركتها تجسيدا للرؤية القابوسية الواضحة في دفع عجلة التنمية المستدامة؛ وذلك من أجل الارتقاء بالتجربة الشورية النابعة من صميم الواقع العماني، والانتقال بالشورى إلى مرحلة تتميز بالنوعية من حيث الطرح واختيار الأفكار والموضوعات والقضايا التي تعرض تحت قبة المجلس، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، والكيفية المستخدمة في الطرح وإرساء القواعد والتشريعات والتنفيذ لتحقيق الرؤى والخطط الوطنية، وهذه المنهجية التي أعلن عنها صاحب الجلالة في خطابه بمناسبة افتتاح مجلس الشورى للفترة الثانية 26-12-1994؛ فاستطرد حديثه بإضافة ستميز المجلس: "مشاركة من نوع جديد هي دخول المرأة مجلس الشورى لأول مرة، ولا غرابة في ذلك، فكما أتحنا لها الفرصة الكاملة في التعليم والعمل وممارسة الانشطة الاجتماعية... نُعلن أن حق المرأة في الترشيح والاختيار لعضوية مجلس الشورى لن يقتصر في المستقبل على محافظة مسقط، بل سيمتد بالتدريج وحسب الظروف والمقتضيات إلى سائر المحافظات والولايات، وسيكون مرجع الأمر في ترشيحها مثلها مثل الرجل هو ثقة المواطنين فيها، واختيارهم لها لتمثيلهم في هذا المجلس، وفي ذلك تكريم لها، بل تكريم للمجتمع كله، وتصحيح لبعض المفاهيم الخاطئة التي تغض من شأن المرأة وتضع من مكانتها التي كفلها لها الدين الإسلامي الحنيف، فالنساء شقائق الرجال".

وذلك حرصٌ من جلالته لممارسة دورها في التنمية والتطوير مساواة بأخيها الرجل؛ إذ إنها تملك مقتضيات التعامل البناء مع متطلبات الأسرة والمرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة...وغيرها من فئات المجتمع، بحكم حضورها في المجتمع والجمعيات والفرق الأهلية، قاصدةً تحقيق الرؤى الوطنية وأهداف التنمية المستدامة، والعمل على تقديم أطر تشريعية تتواكب مع متطلبات العصر والتكنولوجيا، ولن تدخل المرأة في مجلس الشورى إلا وهي مُتمكِّنة من عملها، ومتيقنة أنّها ستخوض تجربة ناجحة، وبتمثيلها يتحقق التكامل في أبهى صوره، بجانب أخيها الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرارات، وتغطية جوانب قد يغفل عنها في تطوير بعض السياسات.

وبالتالي؛ ستحقق رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- باستكمال مسيرتها في العمل الشوروي، مُترجمة دعوته "إنَّ الوطن لا يحلق من دون المرأة؛ فالوطن كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق..."، كما أنَّ الشورى لا يحلق من دون المرأة، وعلى المجتمع كسر القيود التي حالت دون وجودها في مجلس الشورى، واتخاذه خطوة استباقية وفاعلة في تحفيز المؤثرات المحيطة بالمرأة لانتخابها؛ وتغيير الصورة النمطية، والانتقال بها إلى مرحلة النضج من المشاركة والبناء، ومواجهة كل ما يمس تقدمها، حتى يتأتى لها حجز مقعدها في المجلس والمشاركة بفكرها.

* رئيسة صالون العمانية الثقافي، وعضوة جمعية المرأة العمانية

تعليق عبر الفيس بوك