عِلَّة العرب في النسب والمال

حمد بن سالم العلوي

لقد عَرف الأعداء عن الخصائص التي تنعش النفسية العربية، فوجدوهم ينتخون بالنسب، وإذا فُقد النسب فإنهم يُعوِّضونه بالمال، فقال أحدهم: "جعفرتني يا درهمي، بعدما كان اسمي جعيس"؛ لأنه بعدما أصبحَ غنيًّا بالمال، تأفَّف الناس عن مُناداته باسمه القديم، فرفعوا قدره بتغيير اسمه إلى "جعفر"، وقد تضايق الكثير من عرب الجاهلية، عندما ساوَى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الناس، وغيَّر مقاييس الوجاهة إلى "التقوى" كما ذكر ذلك القرآن الكريم، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13). إذن؛ كلما ابتعدَ الإنسانُ عن الإيمان بالله، واقترب أكثر من طباعه البشرية، ركن إلى قدسية النسب ليواري ضعفه به، وإذا أخفق في إقناع الناس بذلك، انتقل إلى خاصية المال، وقد أصبحتْ خاصية المال هي الأكثر وجاهة في زمن العوز الديني، أي الفقر الديني وفقر النفس، فسيِّرت جيوشٌ من المرتزقة في كل نواحي الحياة، وليس نواحي الحرب بالسلاح إلا واحدة من الحيل.

لقد قال أحد ضباط المخابرات الغربيين: إننا نعيث في بلاد المسلمين فساداً، وإفساداً من زمن بعيد، وهذه من حروب الذكاء التي نسيطر فيها على الخصم، ونتولى إدارة الخلافات بأدواتنا بينهم، حتى يظلوا منشغلين بأنفسهم عنا. فسأله صديقه العربي: فمتى بدأتم بهذا المخطط الجهنمي؟ قال له: لن تصدق إن قلت لك، إننا نفعل هذا من أيام الفتنة الكبرى، تلك الفتنة التي دارت بين الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وواليه على الشام معاوية بن أبي سفيان، وهذا الأمر سيظلُّ مُستمراً لتنعم أوروبا بالاستقرار؛ لذلك على العرب ألا يحلُموا بالديمقراطية والحرية، وما حصل في الانتخابات التونسية الأخيرة، فإنَّ الغرب لن يغفر لتونس هذا الخروج، ولكن أعتقد جازمًا كمُتَابِع أنَّ الصحوة العربية قد بدأت، وأنها أخذت مكانها على قطار السير إلى الغد القريب -بإذن لله- فهذه ثلاث دول ستكون القدوة لغيرها في الصحوة الوطنية، وهي السودان وتونس والجزائر، ولا ننسى موريتانيا كذلك، بعدما أفشل الربيع الصهيوني، وقد أصبحت أدواته عاجزة عن فعل أي شيء، بل هي اليوم في مأزق مصيري كبير.

وإنَّ زمن الجاهلية الثانية، التي اعتمدت على قوة المال ليجعفرها، فقد أخذتْ مداها وانكشف أمرها، وهي من نكسة إلى نكسة أكبر من سابقاتها، وستسقط سقطة "برمكية" -نسبة إلى برامكة (هارون الرشيد)، وهؤلاء برامكة الغرب طبعاً- وسيقبر مشروعهم في اليمن، وبعد ذلك سيصمت الشَّر، وستتوقف فورته الحالية، والتي بلغت ذروة الإجرام والدموية في السنوات الأخيرة، ولكن الغرب لن يتوقف طالما ظل يشعر بالخوف من الإسلام، وحتماً سيعيد الكرة مرة أخرى بل مرات عديدة، ولكن بأدوات بديلة وبمشروع مختلف، ولكن الهدف سيظل هو نفسه.

لقد تابعتُ التحليلات التي تُجرى في القنوات الفضائية، وكل إنسان تابع نُوَاح البعض على الماء المسكوب، سيعرف أي بشر هؤلاء الذين يُديرون الحروب، وبأية عقلية متعالية متغطرسة يفكرون، وهنا ستستنتجون أنَّ الحرب في اليمن لن تتوقف بقناعة الطرف المعتدي، إلا بوجود قوة قاهرة توقف مساره؛ لأنها حرب لم تحقق الأهداف المرسومة لها، ولم يكن إعادة الشرعية من ضمن هذه الأهداف بالطبع، وإنما الشرعية مجرد شمَّاعة من ورق، والدليل على ذلك ما يحدث في الجنوب حالياً. فكَمَا قيل، فالمال يرفع نسب الوضيع إلى العُلا فيتجعفر، ولكنَّ الأمر المحزن في حرب عرب على عرب، إنَّ الكل فيها خسران من كافة النواحي، وأسوأ ما في نتائجها على المدى البعيد، أنها زرعت الكراهية والبغض بين الشعوب، وأسست لثأر طويل الأمد، وليس بغريب على جاهلية القرن الحادي والعشرين في إشعال الحروب؛ فجاهلية العرب الأوائل، قد أشعلت حرباً دامت 40 عاما على قيد بعير، وكل ذلك سببه الشعور بالغطرسة والجبروت، والشأن الرفيع الأجوف، وما علمناه واقعاً، أن الكبير ذلك الذي يترفع عن الصغائر من أجل أمن وسلامة الشعوب.

وإذ نحمد الله في عُمان على نعمة الأمن والأمان، وهي حالة تغيظ الكفار، ولا أقصد هنا الكفر بوجود الله عز وجل، ولكن الكفر بما أتى به القرآن الكريم؛ وذلك بتجاوز قيم كثيرة، منها حق الجار وحرمة دمه وماله وعرضه، وحرمة قتل النفس إلا بالحق، وحرمة إرهاب المسلمين الأمنين، وإهمال التعامل بالحسنى مع الناس، وإهمال التمسك بالخلق القويم؛ فلو تمسك المرء بمخافة الله في السرَّاء والضرَّاء، لتوقفت الحروب كما هي حال العالم اليوم، فكل جغرافية العالم في هدوء وسكينة، إلا جغرافية العرب فهي خارج السياق العام للبشرية. حفظ الله عُمان وسلطانها المفدى، وأدام عليه الصحة والعافية والعمر المديد، ورفع الله الشرَّ عن بلاد العرب والمسلمين، اللهم آمين يا رب العالمين.