إنارة منتصف الليل

 

طالب المقبالي

بَعْد نشر مقالي الأسبوع الماضي، والذي كان بعنوان "عيون القطط بديلاً عن إنارة الطرق"، تلقيتُ العديدَ من الرسائل التي تُطالبني بمواصلة الكتابة في هذا الموضوع، خاصَّة بعد قيام البلديات الإقليمية بإطفاء الإنارة في الطرقات الداخلية عند الأحياء السكنية بعد منتصف الليل.

فهُناك استياء كبير من هذه الخطوة التي قامت بها البلديات، من أجل ترشيد الاستهلاك؛ نظرًا لما لهذا من خطورة وتهديد أمن وسلامة السكان، خشية تفشي جرائم السرقات في ظل عتمة الليل، خاصة وأنَّ جميع الأحياء السكنية أصبحتْ خليطًا بين السكان المحليين وبين العمالة الوافدة التي لم تُوضَع لها حلول في تسكينها خارج الأحياء السكنية حتى الآن.

لقد أصبحَ الوضعُ غير مُطمئن، وبدأت المخاوف تدبُّ في نفوس السكان من المواطنين؛ فهناك من يتحيَّن إطفاء الإنارة ليمارس أنشطته الإجرامية التي كانت الإنارة تحُول دون وقوعها.

لقد كان الناسُ يُعانون من السير في الطرقات السريعة في ظلِّ عدم تشغيل الإنارة، لما يترتب عليه وقوع الحوادث الخطرة، لوجود الحيوانات السائبة كالجمال التي تجوب الطرقات ليلاً، مما يتسبَّب في غالبية الحوادث التي تقع في الليل. واليوم يطل علينا خطرٌ جديدٌ جراء إطفاء الإنارة في الأحياء السكنية عند منتصف الليل، عندما يكون السكان في سُبات عميق، ويبدأ أصحاب النفوس الخبيثة باستغلال هذا الوضع لاقتحام المنازل وسرقتها، وربما يتطوَّر الأمر إلى جرائم أخرى كانتشار تعاطي المخدرات، وربما تهريبها، والخوف كل الخوف أن يصل الأمر إلى جرائم القتل.

لا أُرِيد أن يكون مقالي مُتشَائِماً بوقوع مثل هذه الحوادث، لكنِّني أحذر من عواقب الأمور؛ فمعالجة الأمور قبل وقوعها أهون من معالجة آثارها.

فالمعروف أنَّ الجرائم لا تقع في وضح النهار إلا ما نَدُر، وكذلك الحال في ظل وجود الإنارة؛ فعلى أقل تقدير الخوف من كاميرات المراقبة المثبتة على المنازل التي يَحْسِب لها ألف حساب كلُّ من تسول له نفسه ارتكاب الجريمة في ظل وجود الإنارة. أما في الظلام الدامس، فإن الكاميرات معظمها لا تلتقط أي شيء إلا بعض الكاميرات المُخصَّصة للرؤية الليلية، وهي مُكلِّفة بعض الشيء، ولا يستطيع الجميع شراءها.

خُلَاصة القول.. إنَّ مصلحة المواطن وأمنه واستقراره أمورٌ أخذها على عاتقه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، منذ توليه زمام الأمور في البلاد، وحرص على توفير سبل العيش للمواطن، فأمن المواطن وراحته وطمأنينته لا تساوي كنوزَ الدنيا بأسرها. وقد طالبت في مقالي السابق بتحرير إنارة الطرق، وإعفائها من دفع مبالغ لشركات الكهرباء للاستهلاك، على أن تُعتبر كهرباء إنارة الطرق جزءًا من المسؤولية الاجتماعية التي تُلزَم الشركات بدفعها للتنمية في البلاد.

فاليوم، ما زالت شركات الكهرباء حكومية أو شبه حكومية، وغداً سيتمُّ تخصيصها بالكامل، ولن تراعِي الشركات الخاصة سوى مصالحها وأرباحها؛ وبالتالي سنرى البلاد كلها في ظلام، فهل يعقل ذلك؟!!!