الدَّرسُ العَظيم

د. غالية أحمد المحني | مسقط

نموت مرة واحدة ونحيا كل يوم!!

نعم كان من قدري أن أرى الحياة تولد كل يوم من بطن الألم والمرض وتختطف القلوب من شذا الحياة الباذخة لتنقلنا إلى جوف الكون الأكبر وتخرج أفئدتنا من هذيان الدنيا إلى فضاء الله وحده ونتجه بكل صدق إليه فقط لينقذنا.

أرى جليا فلسفة المرض، وأرى أكثر تجليا قدرة الله المتجددة في إحياء القلوب.

المرض نعمة نعرفها أن فهمناها

تذكرنا بقدرة القادر في أجسادنا

تذكرنا بضعفنا حين تغرنا القوة والشباب، أو المال وزينة الحياة.

في لحظة واحدة تصغر الدنيا في أعيننا وتصير أعظم أمنياتنا صحة وقوة لنحيا حياة نبذل كل غالٍ ونفيس لأجلها.

في لحظة بسيطة نصبح أسرى لتشخيص، أو تدبر في أجسادنا ونصبح رهناء دموعنا التي تضيق بأرواحنا.

المرض نعمة يذكرنا بأن هذه دار قد تنتهي في أي لحظة وأن تلك الدار هي الأبقى فتكون رحمته بمثابة تنبيه لنرى الصورة الأكبر لكون الله مركزه.

المرض نعمة لأنك تستدرك من تحب لتبقى معه وقد أهملته عمرا فيما قبل.

المرض نعمة حين يعطيك فرصة للتدبر والتفكّر فيما مضى وماهو قادم.

لعلك تصحح بعض الأخطاء والعلاقات وتعيد حساباتك المنحرفة عن معنى الحياة الحقيقي.

لعلك تعرف مجددا أحبة قلبك الذين أهملتهم في زحمة انشغالك بدنياك.

المرض نعمة حين تختبر الألم الذي يذكرك بنعمة الأيام الخالية منه.

نعم أرى الحياة تولد كل يوم من بطن الموت والمرض والألم، لثتبت أنها تستحق أن تقدر وتعاش، وأن كل لحظة معدودة في حساب الإنسان المكلف بالشكر والعطاء أكثر من الأخذ..

المرض قد يصل خصوصا في تخصصنا إلى لحظة ماقبل نزع الروح لنرى عبرة عظيمة في لحظة استدراك الحياة مجددا تستوجب العمل والشكر وتصبح حينها غالية ونادرة.

نرى المرض والموت لتكتمل الصورة كلها ونقف أمام قضاء الله ولحظة النهاية لكينونة الإنسان بمحصلة أعماله وأمواله وأولاده ودنياه وتتجلى حقيقتين فقط:

حقيقة الإحسان والعمل الصالح.

يختزل العمر كله في ذلك ونندم على كل لحظة من الألم والأذى والإهمال سواء لأنفسنا أو غيرنا.

لنندم على إضاعة العمر فيما لا قيمة له  في الحياة الأبدية.

لنندم أننا كنا زيادة على الحياة ولم نقدم لإنسانيتنا إلا القليل

هذا هو المرض

وفقط هو الحكيم من يداويه، ومن أوتي الحكمة يفهم الدرس العظيم منه.

والرحمن بيده الشفاء كله وما نحن إلا أسباب يُسخِّر الله عقولنا وقلوبنا لنصبح جزءًا من منظومة الموت والحياة كل يوم لعلنا نعتبر أيضا في أنفسنا قبل أن نصل إلى لحظة الخِتام.

تعليق عبر الفيس بوك