حكمة الهروب

وليد الخفيف

يقول هنري تيلمان "لو لم تكن جزءًا من الحل، فأنت جزء من المشكلة"، ويقول الحكماء إنَّ هُناك فارقًا كبيرًا بين المُسكِّن والدواء، وفارقًا أكبر بين الهروب والتصدِّي؛ فمُواجهة الحقائق أقل كلفة من مواجهة الخسارة، وألم المواجهة أشرف من حكمة الهروب؛ فالهروب سيُؤجِّل أمرًا دون أن يحسمُه. أما المواجهة، فشجاعة قد تعرِّض صاحبها لقسوة الخسارة في جولة، لكنها مفتاح لنجاح مُؤجَّل في جولات متتالية.

أقوال الحكماء تبدُو مُطابِقَة لواقع تعيشه كرة القدم العُمانية؛ فالمشكلات تُعالج بالمسكنات ذات المفعول القصير، أو بالتجاهُل المحبط، وربما بالهروب المفوَّه بالصمت و"التطبيل" من ذوي المصلحة والحاجة؛ فالمشكلة لا تحتاج إلى خبير لتشخيصها، أو ميكروسكوب فلكي لتوضيحها؛ فهي واضحة كشمس ساطعة في كبد سماء صيف ملتهب، لا يُغطي أشعتها الذهبية الحارقة غربال مليء بثقوب التردِّي الإداري؛ فغياب التخطيط لَغَم مُؤقَّت مُدوَّن على فوهته "ممنوع الاقتراب أو اللمس".

ولأنَّنا لسنا جزءًا من الحل، فنحن جزءٌ من المشكلة التي تتفاقم موسمًا تلو الآخر، وربما كانت فقَّاعة دمج الدرجتين الأولى والثانية إحدى صور الهروب إلى عالم اللاواقع، لتضحَى كرة القدم العمانية -التي توقف بها زمن التطوُّر- على مشارف العودة لدوري المناطق الجغرافية؛ فالوضع أشبه بحلٍّ مُرتَكِز على عمود هش أجوف، تُحرِّكه نفخات لا ترقى حدَّ الرياح.

فالمُغازلات الانتخابية التقتْ رُوحُها الطاهرة مع مَسَاعي بعض الأندية التي تبحث عن مُشاركة في مسابقة لا يطول أمدها لأكثر من شهرين وداخل محيطها الجغرافي، لتغطى بنفقات زهيدة تتفق مع إمكاناتها المادية المتعثِّرة، أو إلى سبيل سهل يسير يضمن عودة أندية جمدت نشاطها منذ سنوات إلى دوري الدرجة الأولى، دون المرور بنفق ضيق اسمه الدرجة الثانية، وبين هذا وذاك يُدرك جيدا التكتل القوي -الذي ينشط قبل الاقتراب من الصندق الزجاجي- التوقيت المناسب لإظهار سطوته، واستعراض نفُوذه لتمرير ما يراه مناسبا لرجاله، فما جاء بوثيقة "تكوين" لأمر رائع حقا، ولكن ما المانع أن يُطبَّق ما تضمنته مع وجود الدرجتين، فالمُنافسة في كرة القدم مبدأ أصيل ستُكتب شهادة وفاته بإلغاء الهبوط مع إلغاء الدرجة الأدنى! وهل سيحقق الدوري -الذي قد ينتهي لدى بعض الأندية بعد شهرين- الفائدة الفنية المرجوَّة للتطوير المزعوم، وإذا حاولت الرد بإطالة زمن المرحلة الأولى بإضافة إبداعية فلسفية اسمها مبارايات الأرض المحايدة مع دوري الذهاب والإياب، والتي لم أسمع عنها في قصص ألف ليلة وليلة، فإنها ستضرب قصة تقليص النفقات المالية على الأندية، كما أن الأندية التي ستتأهل ستلعب 22 مباراة، فأين تقليص النفقات في هذه الحالة؟! أما عن باقي المبررات التي تضمَّنتها وثيقة "تكوين" الرامية لتعزيز العوائد المالية بشركاء تجاريين، فالكلام يرد عليه الواقع، والحساب الختامي الذي أكد عزوفَ الشركاء التجاريين، واعتبار أن تجديد العلاقة بنفس القيمة لإنجاز كبير! فعجبًا إذا كانت تلك العقود في يومٍ ما محلَّ شك وريبة، وبين ليلة وضحاها أصبح تجديدها إنجازًا وفخرًا مبينًا! وما المانع أن يكون لدوري الأولى شريك تجاري مثل البنك الأهلي سابقا! رُبَّما المانع هو القصور الإداري الذي لا يُمكن أن نعترف به، فهل كان سببا في انسحاب مازدا مثلا؟ علينا أن نعترف بضعف المنتج، وضعف صانعه، قبل مطالبة القطاع الخاص بالشراكة.

إنَّ أي مُسابقة تُقام على كوكب الأرض، أو أقامها القدماء المصريون على ضفاف نهر النيل ودلتاه، أيام الكرة الصخرية، لها هدفان لا ثالث لهما: هدف فني وآخر اقتصادي، وعندما عَجَز اتحادُنا الموقر عن تحقيق الهدفين في السنوات الثلاث الماضية من خلال تنظيم مسابقة دوري الدرجة الأولى التي قتلت أجنَّة مُخرجاته لتعزيز الدوري الممتاز، فلم يبحث عن حل، وإنما بحث عن مشكلة جديدة! وعندما يُقيم اتحاد ما مسابقة رسمية دون شريك تجاري، فثق أنَّ الإنتاجية صفر، وأنه مُعتمد على الدعم الحكومي المريح دون عناء، وأنَّ من كان جزءًا من المشكلة لن يكون يومًا سببًا في حلها؛ فالهروب سيد الموقف، وبطولة غرب آسيا للمنتخب الأول ومنتخب الشباب تشهد، ومعسكرات السياحة تؤكد، ومواجهة أندية المجهول تدلل، وعسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب.. فإن يك صدر هذا اليوم ولَّى، فإنَّ غدًا لناظره قريب.