الرُّعب من وظائف المستقبل

غسان الشهابي

في السَّنوات القليلة الماضية، أخذتْ وتيرة الحديث عن الوظائف التي ستُتاح في المستقبل تتزايد، رُبَّما يراها البعضُ أنها تبشِّر بمستقبل جديد للوظائف ما كان موجوداً من ذي قبل، ولكنه -في المقابل- يحذِّر من انمحاء الكثير من الوظائف التي يُعمل بها اليوم، وبعضها ليس من الوظائف البسيطة، ولكن منها تخصصات طبية معينة، ومهنة الطيران، وبعض الوظائف الهندسية، ناهيك عن غالبية الوظائف المكتبية المساندة.

تأتِي هذه التحوُّلات نتيجة للتنامي الهائل لعدد من المنصات التكنولوجية على مستوى العالم؛ أبرزها: البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والواقع المعزَّز، وقواعد البيانات المتسلسلة (بلوكتشين)، والحوسبة السحابية، والحوسبة الكمية، والطباعة ثلاثية الأبعاد. هذه الوظائف التي سيتربَّع مُتقِنُوها على عرش الدخول الأعلى عالميًّا، وهي التي ستكنس المئات من الوظائف القائمة حالياً التي كنست بدورها العشرات من وظائف القرون السابقة، وحتى الثلث الأخير من القرن العشرين.

لعلَّنا نُلَاحِظ اليوم أنَّ "الدق على الآلة الكاتبة" ما عاد من المهارات التي تُذكَر في التقدُّم للوظائف كما كان في الماضي، ولا التعامُل مع الإنترنت واستخدام البريد الإلكتروني؛ فالكثيرُ من الأعمال استغنت عن أعمال صار يقوم بها الموظف بنفسه، ولكن ما سيأتي يقول إن الحال سينتهي إلى الاستغناء عن البشر بشكل أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في السابق. فلقد كانت التكنولوجيا تُسَاعِد الإنسان، وصارت تشاركه، وستنتهي لأن تحلُّ محله، وهذا ليس سيناريو لأفلام الرعب والخيال العلمي، لكنه حقيقة وجارٍ تطبيقها في عدد محدود من الصناعات اليوم، لكنها في سبيلها إلى التوسع في المستقبل القريب.

إذا ما نظرنا إلى واقعنا العربي الذي لم تستطع اقتصادياته ولا برامجه وسياساته تأمين الأعمال الاعتيادية، وتقليص معدلات البطالة التي تصل إلى 60% (كما في اليمن)، ونسبٍ مئوية لا يستهان بها في عدد من الدول الأخرى، سنتساءل عن مستقبل الأعمال في هذا الجزء من العالم، هل سنسير على ما نحن عليه اليوم؟ هل ستظل الواسطات أيضاً هي السلاح النافذ إلى وظائف الغد القائمة على البراعات الذهنية والابتكار؟ كيف يمكننا التعاطي مع عالم الغد في ظل أنظمة تعليمية لا تزال قائمة على التلقين وتناقش بحدّة وعمق ماضويات وكأنها تقع اليوم؟ ما الذي يمكن للأنظمة العربية خلقه من بدائل للذين هم اليوم مسجلين في أرقام البطالة، والذين ستقل فرصهم في العمل في العام 2025 بزوال الكثير من الوظائف الحالية وهم على علمهم السابق، وستضاف إليهم دفعات ودفعات من الخريجين حتى تتغير المناهج جذريًّا وانقلابيًّا من الصفوف الأساسية إلى الجامعية، لعلها تلاحق التغيرات التي تحبس الأنفاس، وهذا سيحتاج بدوره إلى ثورة في إعداد المعلم أساساً الذي سيقُود مناهج متقدمة لعلها تفلح في تخريج طالب آخر جديد.

الدَّرب الذي يُشار إليه طويل وصعب ومكلف وعسير، ولكن لابد منه إن أردنا الانتماء إلى الآتي؛ لأنَّ كلفة النكوص عنها ستكون مضاعفة على الأجيال المقبلة.