مرحلة التوحش (2-2)

منى سالم جعبوب

الصراع الفكري بين أمريكا وتنظيم القاعدة أخرج لنا مفهومين؛ مرحلة التوحش (تنظيم القاعدة)، ومرحلة الفوضى الخلاقة أو الشرق الأوسط الجديد (أمريكا).

وكان على كل طرف أن يدفع على السطح بمفكر للمرحلة وإن كان الفكر نتاجا جمعيا لكل طرف ولكن لابد من ذلك في إطار تعظيم الفكر والاستقطاب بالرمزية فتصدر المشهد كل من: أبوبكر ناجي (القاعدة)، وكونداليزا رايس (أمريكا).

لماذا اختارت أمريكا مصطلح الفوضى الخلاقة؟ هو رد على فكر تنظيم القاعدة الذي يقوم على فكرة انهيار حكومات الدول ومجيء مرحلة دموية يصعد فيها التيار الإسلامي والذي عرفه ناجي بمرحلة التوحش. والحقيقة أن أمريكا في ذلك انطلقت من المدرسة الفوضوية والتي تعني "مجتمع اللادولة" والتي ظهرت في الغرب في القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر والتي أشهر مفكريها المفكر الإنجليزي جودوين والفيلسوف الفرنسي برودون والأرستقراطي الروسي الثائر باكونين وعالم الجغرافيا الطبيعية الروسي كروبوتكين. وتحدث هؤلاء جميعا عن ظهور عقلية بشرية متنورة تتحرر من قيود المؤسسات وهي فكرة تشبه العودة للبدائية من حيث غياب المؤسسات ولكن قمة التطور من حيث العقلية البشرية. وكأن أمريكا تقول إن غياب الدولة إذا كان سيعقب حسب فكركم أيها الإسلاميون بالوحشية فنحن في هذه الفوضى سنأتي بالفوضويين المتنورين الذين سيكون اختيارهم هو المشروع الغربي في ظل انهيار الدولة القومية وهؤلاء المتنورون سينطلقون من الاهتمام بقضايا الاقتصاد ومعاداة الدين في ظل غياب الدولة.

طبعًا أبوبكر ناجي رد على ذلك بالقول: لماذا اسميناه (إدارة الفوضى المتوحشة أو إدارة التوحش) ولم نسمه (إدارة الفوضى)؟ "لأنها ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني من الفوضى ...لأنَّ الأمر سيكون أعم من الفوضى بل إن منطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستخضع لقانون الغاب" ويردف ناجي فيقول حتى عقلاء الأشرار سيكونون متعطشين لأن ندير تلك المرحلة لأنهم فقط يريدون الخروج من التوحش ولذلك يتوقع مساندتهم للإسلاميين في الوصول للسلطة. ومما دعا إليه ناجي الإسلاميين في جميع بقاع الأرض استنزاف أمريكا حيثما تواجدت لها مصالح أو حلفاء مع إبقاء مناطق قيادة سرية وآمنة لساعة الصفر وحدد هذه المناطق في بلاد العرب: العراق، واليمن، والأردن، والمغرب، والسعودية.

يقول ناجي إن الهدف من ذلك هو: أولا: إسقاط هيبة أمريكا، وكشف الهالة الإعلامية حولها، وجعل أمريكا تستبدل حربها على الإسلام بنظام الحرب بالوكالة إلى أن تحارب بنفسها. وثانيا: تعويض الخسائر البشرية التي منيت بها التنظيمات الإسلامية من خلال: الانبهار بالعمليات التي ستقوم بها التنظيمات تجاه أمريكا (وقد استخدموا لذلك تقنية عالية وحرفنة إعلاميه مبهرة)، والغضب من التدخلات الأمريكية المباشرة مضاف له الغضب من الانحياز الأمريكي للكيان الصهيوني بالعمل على سرعة الوصول لمرحلة التوحش (اللادولة).

لذلك كانت الفوضى الخلاقة هذا المصطلح يعتمد على التنظير الذي قدمه ناجي فكان تعريفاً ذا دلالات سياسية لا فلسفية فهو قائم على نظرية "ثنائية التفكيك والتركيب" الذي يعني تعبير الفوضى البناءة الذي صمم في معهد "أمريكان انتربرايز"_المعروف بقربه من دوائر وكالة الاستخبارات الأمريكية_ والذي فيه لابد من إعادة هندسة المجتمع اجتماعيا وسياسيا في مرحلة الفوضى.

اختارت أمريكا ترك الإسلاميين تنفيذ خطتهم نحو صناعة الفوضى وكان الفكر الذي تتصدر واجهته رايس يعترف بأن هناك حالة من الاحتقان والكراهية نحو أمريكا من الشعوب الإسلامية ولذلك فمن الأفضل أن ندع الأمور لتسير نحو الانفجار الداخلي الذي سيتم من خلاله تفريغ ذاك الشحن للشعوب ثم تدخل أمريكا في مرحلة الفوضى نفسها وقد لاحظنا كيف أن أمريكا أدارت تلك الحرب بذكاء.

افترض ناجي أن تدخل أمريكا للحرب المباشرة لحماية وكلائها في المنطقة فجاءت الخطة مغايرة تماماً بأن وقفت أمريكا ضدهم وقالت عليهم الرحيل فورا واستبدلت الوكلاء بآخرين أقرب للمتحركين على الأرض وكانت قطر في الجزء الأول من مرحلة قيادة أمريكا لمرحلة الفوضى دولة صغيرة تدعم من التنظيمات الإسلاميه الأسهل اختراقا والأقل تسليحا أي في بداية المرحلة تندب قطر لتصدر المشهد

وحسب تحليلي الشخصي وقراءة المعطيات فإن أمريكا تمضي في مواجهة مشروع التوحش وفق خمس مراحل؛ الإدارة للمرحلة الأولى: صعود التنظيم الأقل تسلحا والأكثر أتباعا وترك لقيادة المرحلة قطر وتنظيم الأخوان المسلمين. ثم المرحلة الثانية، وترك لقيادة هذه المرحلة الإمارات، وفيها يتم صناعة تنظيمات وحكومات دول بتفصيل أكثر، وصناعة تنظيمات أشد عنفاً ودموية (داعش ومليشيات شيعية في العراق)، وحكومات دول كرتونية بوليسية بدون ثقل إقليمي أو شعبية داخلية.

أما المرحلة الثالثة، فستترك للسعودية وتركيا، من خلال تدمير مناطق القيادة السرية التي حددها ناجي بتلك الدول آنفة الذكر.

والمرحلة الرابعة، ستترك لقيادات شعبية من داخل المجتمع تدين بالولاء الفكري أو الفعلي للحضارة الغربية، وفيها يتم التغيير الديمغرافي والفكري للشعوب.

وفي المرحلة الخامسة، ستوكل هذه المرحلة للقبائل ولزعماء الإثينات المختلفة، وفيها تنشأ دويلات عرقية بلا هوية حقيقية ولا ثقافة تتبنى الثقافة الأمريكية والفكر الغربي وتصنع دولا ضعيفة وهشة. وهكذا تمضي إدارة التوحش والفوضى.