لا تصوِّتوا لهذا المُرشح!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

مجلس الشورى.. تجربة وُلدت لتبقى، ولكن يجب أن تُنقَّى من الشوائب، وتُخلَّص من الإخفاقات، وترتقي بنفسها عبر أعضائها، وقبل ذلك عبر ثقافة ووعي المجتمع؛ فالذين ينادون بمقاطعة الانتخابات هم أصلا لا يُشاركون فيها، ولا يعرفون عنها إلا الوجه المظلم، ولا يقدِّمون لها الدعم المعنوي، ولا يتفاعلون معها؛ لذلك تأتي آراؤهم سلبية، وغير مشجِّعة، ومُحبِطة للآخرين.

ولعلَّ مُعظم هذه الفئات السلبية هم من النخب المثقفة، التي ترفع شعارات لا تطبقها، وترسم أهدافا لا تسير عليها، وتنتقد كل شيء، ولا ترى إلا الجانب المعتم من القمر، وبذلك أفسحوا المجال للفئات الأقل وعيا وثقافة -مع كل التقدير والاحترام للجميع- وأعطوا -بذلك العزوف عن المشاركة- للمُرشَّح الأقل كفاءة فرصة كبيرة للنجاح؛ حيث اتَّجه هذا المُرشح لكبار السن، والقبليين، والأميين، وهم الفئات الأكثر فاعلية، ونشاطا ومحورا للاستقطاب في هذه الفترة، وعبر بعض التجاوزات والإغراءات المالية والدعائية استطاع الكثير من المرشحين الفوز بانتخابات سابقة ولاحقة تحت مرأى ومسمع وتذمُّر العازفين عن المشاركة.

ويسوِّق كثير من هؤلاء النخب السلبية أسبابَ عدم مشاركتهم بعبارات فضفاضة من قبيل: أن المجلس لا يقدِّم ولا يُؤخِّر، وأن العملية الانتخابية مليئة بالتجاوزات، وأنَّ الأعضاء غير أكفاء، وأن المجلس مجرد (ديكور) خارجي لتمرير قرارات الحكومة، وأنَّ المجلس مسلوب الإرادة وغير فاعل، وغير ذلك من تبريرات يقنعون بها من حولهم، دون أن يفهموا هم أنفسهم ما تعنيه، ولنفرض أن بعض تلك التبريرات واقعية وحاصلة فعلا.

إلا أنَّ السؤالَ الذي يفرضُ نفسَه هو: من الذي يمنح المجلس قوته أو ضعفه؟ أليسوا هم أعضاؤه الذين اختارهم الشعب عبر انتخابات حرة؟ إذن؛ فالمسؤول عن الإخفاق قبل كل شيء هو الناخب نفسه، والذي غرر به بعض المرشحين عبر إغراءات وإغواءات نعرفها جميعا، ولا يُمكن نُكرانها، ومن خلال وعود انتخابية لا يمكن تنفيذها، وكذلك عبر امتناع الفئات المثقفة والنخبوية عن المشاركة في العملية الانتخابية؛ مما ترك المجال مفتوحًا على مِصْرَاعيه لاختيار أعضاء أقل كفاءة؛ حيث ينشطُ المرشحون في هذه الفترة لاستقطاب وتجميع و"كسب ولاءات" أكبر عدد من الأصوات، ويركِّزون على النساء والفئات الكبيرة في السن والأميين.. وغيرهم من فئات لا يعي كثيرٌ منهم معنَى العملية الانتخابية، ولا عَمَل مجلس الشورى، وقد لا يعرف كثير منها مرشحه إلا من خلال القبيلة أو الأكثر (إفادة له)؛ حيثُ تكثرُ الهبات والعطايا قبل الانتخابات، وكأنَّ أبوابَ السماء كلها قد فُتحت فجأة على ماء منهمر من أعمال الخير والبر!!.. لذلك؛ لا يُمكن لوم الأعضاء المُرشحين بقدر ما يُلام المجتمع الذي انتخب من ليس كفوءًا لتمثيله، ثمَّ بدأ يتذمَّر في المجالس، ويلوم (المجلس) والحكومة، ورغم إخفاق عضو ما في فترة برلمانية معينة، إلا أنَّ الناخب (البسيط) يُعيد تكرار فعله مرة بعد مرة بانتخابه لنفس العضو الذي ينتقده في السر، ويؤيده في العلن.

إنَّ أيَّ عملية ديمقراطية لا يشارك فيها المثقفون والنخب الاجتماعية الواعية هي تجربة محكوم عليها بالفشل الذريع، ومسؤولٌ عنها في المقام الأول الناخب قبل المُرشح، والذي يدخل معركة حامية الوطيس عليه الانتصار فيها بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، والفوز بالعضوية، ودخول المجلس، والحصول على امتيازات العضو المحترم في الدخول والخروج على مكتب الوزير، أو حمل رسائل المواطنين، أو الجلوس في الصف الأول، أو (تكوين نفسه) خلال فترة العضوية، وبذلك يضيع جهد أمةٍ بكاملها.

إنَّ اختيارَ العُضو الأكفأ والأصلح لحمل صَوت الشعب هو أمانة وطنية في عنق كل عُماني، فبيد الناخب وحدُه القدرة على التغيير للأفضل، أو التراجع إلى المربع الأول، والبكاء على الأطلال.