و سَمَّـاكَ يُوسـف


د. محمّد سعيد شحاته | شاعر وأكاديمي مصري

(مهداة إلى الصديق الأديب الفلسطيني الدكتور يوسف حطيني) ردًّاعلى قصيدته "يوسفيات".
***
وسمَّاك يوسف كيما تبوح بما قد يكون
وما قد مضى
أيقظتْ هدأة الليل ما قد تشظَّى من القلبِ
وانسال بين الحنايا
ليفتح بوَّابةً للظى
والغزاة إذا دخلوا قريةً شكَّلوها بخوذاتهم
وحناجر من يتباهى من الشعراء
وأنت سليل الجروح
أثقلت سطوة العمر فيك القروح
وسمَّاك يوسف كيما تبوح
وسمَّاك يوسف كيما تكون النبوءة مخبوءة بين جنبيك
تهفو إليها البلابل
والقيظ يقبضُ قلبَ الفريسة حتى التلاشي
وأنت تراقب في الجبِّ سيرتك المشتهاة
وفي الجبِّ كنتَ تحدِّث عن إخوةٍ أودعوا روحك القيدَ
باعوا الحقيقةَ
لم يُجْنَ إلا الصدى
وفي الجبِّ كان حواليك صوتُ الردى
تمدُّ ذراعيكَ تقبضُ ما يتناثرَ من نُدَفِ الحلمِ
تُودِعُه القلبَ
تنثرُ حولك نورَ النبوءةِ
ينكشفُ المنتهى
وتحضنُ كفَّاكَ حلمًا سيمتدُّ عبر الصحاري
إلى أن يعانقَ قصرَ العزيزِ
ويأتي إليك الألى صفعوك:
أئنِّكَ يوسفْ ؟!
تبدَّتْ لهم عورةُ الروحِ
تسَّاقطُ الشبهات
***

لأنك يوسفُ
أنت خيولُ الخيالِ بوادي الضجرْ
نوافلُ وردٍ تلقَّفها الليلُ
ينسجُ منها أكاليلَ ذاك السحرْ
يُخيفُكَ سيَّارةٌ أن تمرَّ تهيلُ عليك الترابَ
وما كنتَ تدري بسيَّارةٍ أمرُها بيدِ المتحكِّمِ
يدركُ أين الحقيقةُ ...
أين السراب
وأنك منذورُ هذا اللظى
يحفرُ القهرُ في مقلتيكَ أخاديدَه
يكبرُ الجبُّ حتى يطاولَ كلَّ المآذنِ
تُغْرقُهُ غيمةٌ ترتديها
وتطفو على السطح كيما تكون العزيزَ
وفاتحةَ البحرِ في طبريَّة
كيما تكون الحقيقةَ فيها
***

لأنك يوسفُ
جئتَ تلوم العشيرةَ
هل كنتَ تجهلُ أن العشيرة كم أحرقت في الظلام منابرها
منذ كانت منابرْ
وأن العشيرةَ كم ذبحتْ في الظلام بلابلها
وارتدتْ ثوبَ مَنْ يتباكى على كلِّ عابرْ
وهل كنتَ تجهلُ أن العشيرة ترعى ذئابَ العشيرة
ما بَرِئَ الذئبُ يومًا
ولكنه كان أبطأ ممن يرى الجبَّ قبرًا
ومن يتخايل بين الذئاب بثوب المغامرْ
وصمتُ الحظيرةِ ليس كصمتِ المقابرْ
ولكنه صمتُ ليلٍ يفتِّش عن كوَّةِ الفجرِ
صمتٌ لمن يتأمَّلُ بوَّابةَ الصحو صوبَ الشوارع
كيف ارتدتْ زرقةَ البحر عند اكتمال المناظرْ
***

وتزعمُ أن الكواكب تجهلُ فيك الملامحَ
كيف ويعقوبُ أودع سرَّك بين الكواكبْ
فأيَّان تمضِ تراقبْ خطوطَ الأثرْ
ويعقوبُ حدَّث عنك القمرْ
ويعقوبُ سمَّاك يوسفَ
كيما تكون النبوءةَ والمتنبِّئَ والمنتظَرْ
عليه السلام
وأنت عليك مقارعة الوهم
حتى يزول الظلام
وقيل ليوسفَ:
لا تَقْصُص الحلمَ
كي لا يكيدوا لك الكيدَ مرّا
وأنت تحبُّ النسيب
وتحترفُ الشعرَ
أنت تعانقُ حلمك سرًّا وجهرا
والذئابُ التي تتلصَّصُ حولك كُثْرٌ
وكم كنَّ كثرا !!
وتلك الحفائرُ فوق الضلوعِ بقايا خطىً
خلَّفتها الأفاعي
وتلك الأخاديدُ في الوجه أسئلةُ العابرين
ويبقى الرمادُ شواهدَ للبوحِ نثرًا وشعرا
***

وقيل ليوسفَ:
هذا هو السجنُ أو ترتدي ثوبَ سيِّدِكَ المصطفى
وتعلو سنام بعيرٍ عَلاه
وتجلسُ فوق سريرٍ تربَّعَ فوق عُلاه
وقُدَّ القميصُ من الدُّبْرِ
قيل ليوسفَ :
أعرضْ عن الفحشِ
وادخلْ غياهبَ سجنٍ
فقال :
هو السجنُ أحلى إذا ضجَّ عبدٌ
وضاقت خطاه
وأنتَ ترى القوم صرعى الأغاني
وفي الأعين الزائغاتِ ملامحُ أوطانهم تتشظَّى
وفي الأذرع الخائراتِ سيوفٌ تعاني
وذئبٌ مصانٌ
وعلمٌ مُهانٌ
فكيف تموتُ الوعولُ
وليس لها من شموخ الجبال ؟!!
وفي مقلتيها دموعُ الحنين
وفي شفتيها رقيقُ الأغاني
وأنتَ ترى الشمسَ تجنحُ نحو الغروب
يفرُّ إلى الظلِّ سربُ الفوارسِ
يشردُ حلمُ الغزالةِ
يقفزُ في الريحِ
يصبحُ وهما
***

تعاليْ سرايا
ولمِّي شتات السنين
وما قد تناثر بين الدروب شظايا
فبُورِكَ مَنْ يتأبَّطُ كفَّكِ
مَنْ يتسلَّق شَعْركِ
بوركت النارُ حين تسيل ..
وحين تصول
والملوكُ على مهلٍ يكتبون التواريخَ:
موسى اتَّئدْ !!
عيونُ الرياحِ تقيس المسافةِ بين الجراحِ
وبين سرايا
ودمعُ الشتاتِ يسيِّجُ رائحةَ الأقحوان
وخضرَ الحكايا
وتلك العذارى تجزُّ ضفائرها لحظة الشوق
يحتدمُ العنفوانُ
ويطلبُ ثأر الصبايا
وأروقةٌ من دمٍ تتجلَّى ملامحُها في المرايا
فلا تعبر الليلَ نحو سرايا
وألقِ عصاكَ هنا في الفجاج تلملمْ لظىً في الحنايا
خيولُ المنافي خيالٌ ينافي اشتهاءَ الحياةِ
وما من مطايا
***

تعاليْ سرايا
تعاليْ سرايا

 

تعليق عبر الفيس بوك