"فورين بوليسي": تراجع الاستثمار الصيني في أمريكا يقرع ناقوس الخطر

الصينيون يشترون عقارات أمريكية بـ30 مليار دولار سنويا

الصين أكبر دائن للولايات المتحدة بتريليون دولار

بكين تهدد بسحب 300 ألف طالب صيني يدرسون في أمريكا وينفقون 13 مليار دولار سنويا

 

ترجمة- رنا عبد الحكيم

يحظى سوق الأسهم المضطرب باهتمام في ظل استمرار الحرب التجارية، لكن مجلة فورين بوليسي الأمريكي ترى أنه يجب على الحكومة الأمريكية أن تشعر بالقلق من الانخفاض الحاد للاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة.

وقال تقرير نشرته المجلة إن حرب الرسوم المتصاعدة، ورغم أنها تحظى بالاهتمام، قد حجبت انخفاضًا حادًا ليس في التجارة بين الولايات المتحدة والصين (التي، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، ظلت ثابتة نسبيًا) ولكن في الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن قيمة الدولار مهمة، لكن الأهم هو النفوذ الضائع الذي تنطوي عليه تلك الاستثمارات. فقد هزت الحرب التجارية الأحادية الجانب- التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- الأسواق، لكن العلامات المبكرة تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي إلى جانب القوة الناعمة الأمريكية هي الخسائر الرئيسية، وهذا بالتأكيد لم يكن الهدف من هذه الحرب.

وفي حين تحظى الرسوم الجمركية بالاهتمام، فإن تجميد الاستثمارات الصينية قد يكون أكثر تأثيرا. ويمكن إلغاء الرسوم الجمركية بسهولة كما تم تطبيقها، لكن إعادة ضخ الاستثمارات يشبه إلى حد كبير إصلاح السمعة السيئة، فما يحتاج إلى القليل من العمل لتدميره قد يستغرق سنوات لإعادة بناءه.

وحتى الآن، لم تنجح الرسوم الجمركية في إجبار بكين لتقديم تنازلات. وعلى الرغم من ضررها الاقتصادي، فإن معدلات الرسوم الحالية ليست كافية لفرض تحولات مفاجئة في سلاسل التوريد أو أنماط الاستهلاك. وبخلاف انخفاض الصادرات الزراعية الأمريكية إلى الصين، فإن الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين كان ثابتًا إلى حد كبير حتى مع الرسوم الجمركية.

وما لم يكن ثابتًا هو مستوى الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة. فبين عامي 2000 و2018، ووفقًا لبيانات مجموعة روديوم، قامت الشركات والأفراد الصينيون بضخ نحو 140 مليار دولار في الولايات المتحدة، وكان الجزء الأكبر منها بين عامي 2011 و2018، وفي عام 2016 بلغت حوالي 45 مليار دولار. ولا يشمل ذلك المشتريات الصينية من العقارات الأمريكية؛ وفقًا للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، وكان الصينيون أكبر المشترين الأجانب للعقار السكني في الولايات المتحدة؛ حيث اشتروا بما يقارب 30 مليار دولار سنويًا في الفترة من 2015 إلى 2018، ومعظم هذه الاستثمارات العقارية في فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا ونيويورك. وبالطبع، كانت الصين أيضًا أكبر حامل للديون الحكومية الأمريكية، حيث تفوقت على اليابان وتمتلك حاليًا أكثر من تريليون دولار من السندات الحكومية الأمريكية.

ومنذ بداية حرب الرسوم الجمركية انخفضت مشتريات الصين من الديون الأمريكية، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الصين في الولايات المتحدة بنسبة 88% من عام 2016 إلى العام الماضي ولا تظهر أي علامات على الانتعاش هذا العام. وحذرت بكين في يونيو من سحب الطلاب الصينيين الذين يزيد عددهم على 300 ألف طالب في الجامعات الأمريكية، والذين يساهمون وفقًا لبعض التقديرات بمبلغ 13 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وتهدد بكين بإعادة النظر فيما إذا كانت الولايات المتحدة بيئة مضيافة لهم في ضوء الصعوبات المتزايدة في الحصول على تأشيرات الدخول. ولأول مرة منذ 15 عامًا، انخفضت السياحة الصينية إلى الولايات المتحدة العام الماضي، وهي تساهم بمبلغ 35 مليار دولار سنويًا.

ويرى التقرير أن الأرقام بالفعل سيئة بما فيه الكفاية وتمثل ضررا مباشرا على الاقتصاد الأمريكي دون أي فائدة مرجوة.

وتقول الصحيفة إن التأثير الأكثر وضوحًا يتمثل في أن مئات المليارات من الدولارات من الاستثمار المباشر في الولايات المتحدة تزيد من الألم بالنسبة للصين لمواصلة الممارسات التي يعتبرها الأمريكيون غير عادلة أو ضارة. مثلما تعتبر الاستثمارات الأمريكية في الصين في الأوقات الجيدة فائدة وفي الأوقات السيئة، فإن الأمر ذاته ينطبق على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة. والتعمق في الاقتصاد الأمريكي يعني أن الصين تجني فوائد الشركات التي تملكها بشكل جيد لكنها تعاني أيضًا من الألم عندما تكون تلك الشركات عرضة للخطر من الانتقام أثناء النزاعات التجارية. إذ يرتبط مالكو هذه الشركات- والتي في حالة الصين في كثير من الأحيان مؤسسات مملوكة للدولة- بروابط مباشرة مع بكين أو حكومات المقاطعات، ومن المرجح أن يدعم ذلك مساعي التسوية.

وينطبق المنطق نفسه على الطلاب والسياح وبالطبع شراء الصين للديون الحكومية الأمريكية. ويؤدي العجز التجاري إلى حصول الصينيين على تحقيق أرباح طائلة، والتي استخدموها في السنوات الماضية لتمويل عمليات شراء الشركات الأمريكية والعقارات الأمريكية والديون الأمريكية، وبشكل غير مباشر، الرسوم الدراسية في الجامعات الأمريكية والسياحة. وبطبيعة الحال، لا يظهر ذلك في إحصاءات التجارة، والتي تعد بالتالي صورة غير مكتملة بشكل يدعو إلى الأسى للتدفق الدائري للأموال والسلع والخدمات بين الصين والولايات المتحدة والتي تتهددها حرب الرسوم.

ويختتم التقرير قائلا إن أي علاقة معقدة وكبيرة تتطلب حلا وسطا، وهو ما يعني أن الصين سوف تضطر إلى تقديم "شيء ما"، لكن يعني أيضا أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق كل مطالبها. لقد كان وجود مئات المليارات من الدولارات من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة مصدرا قويا للتأثير الذي يتضاءل بسرعة وهو في الواقع يتقلص بسرعة أكبر من التجارة الثنائية. ويمكن فرض الرسوم الجمركية أو رفعها- تقريبًا- بتغريدة رئاسية، لكن تهيئة مناخ مرحب بالاستثمار يستغرق وقتًا أطول.

تعليق عبر الفيس بوك