المتقاعدون.. هل هم الفئة المنسية؟!

 

 

ناصر بن سلطان العموري

تتبارى الدول في تكريم وكسب ود متقاعديها؛ من خلال منح المميزات والامتيازات لهم، بصفتهم من بذلوا الجهد الجهيد، وحملوا الوطن على أكتافهم في مرحلة من المراحل، وحان الوقت لرد الدين لهذه الفئة، التي في نظرهم هي من تستحق الامتنان والتكريم والتقدير والشكر الجزيل.

والمتقاعدون.. هل هم الفئة المنسية كما يصفُون أنفسهم؟! وهل من يخرج للتقاعد يكون أشبه بالذكرى لا حقوق ولا مميزات ولا حتى اهتمام؟! لو نظرنا إلى حال المتقاعدين في بعض الدول الغربية، فهم أحسن شأنا وأرفع حالاً من مثليهم في الدول الأخرى؛ فهناك لهم الأولوية وقصب السبق في جميع الأمور، بل لهم من الميزات والامتيازات ما لهم، ومرحلة التقاعد لديهم مرحلة الراحة والتجوال في أصقاع الأرض.

ومن وجهة نظري، أنَّ المتقاعدين درجات، فكلهم ليسوا سواء!! فمنهم من يتقاعد ويذهب للمجالس البرلمانية للاستفادة مِمَّا يملكه من خبرة وثروة معرفة تفيد الوطن، ويكون وضعه المالي ممتازا، ومنهم من يتقاعد بمعاش تقاعدي مُجزٍ يُعِينه على أحوال ونكبات الدهر، ومنهم من يكدح ويكد في وظيفته فيخرج بعدها بمعاش متواضع للغاية تتناهشه الأقساط البنكية، وما تبقي منه يذهب لمصاريف الحياة المتنوعة من مأكل ومشرب وآخريات من مسؤوليات جسام.

وأخصُّ كلامي خلال هذا المقال بالفئة الأخيرة تحديدا؛ كون التقاعد ليس منحةً، بل قرار بناء على استيفاء الموظف لسن التقاعد أو لظروفه الصحية، هذا بخلاف الأمور التأديبية الأخرى.

وما دَعَاني للكتابة هنا هو الاتصال الذي تلقيته من أحد القراء؛ كون العمود عمودًا مجتمعيًّا، ويناقش القضايا المجتمعية، وهو يتكلم بحرقة عما يُعين المتقاعد والأسعار في ارتفاع والضرائب على الأبواب، والمعاش التقاعدي هزيل ضعيف لا مُعين له ولا نصير، كما أنَّ البنوك لا رحمة فيها؛ فلا تأجيل للأقساط أيام المناسبات، ولا تسهيل، والسبب أنك متقاعد وتحمل نتيجة تقاعدك!!

إذن -والسؤال هنا للجهات المعنية- لماذا حق المتقاعد مهضوم، بل يكاد يكون معدوما؟ فلا معاش يُغنِي عن أحوال الدهر المتقلبة، ولا مميزات تدفع المتقاعدين إلى وضع أفضل هذا، رغم أنَّ صناديق التقاعد المختلفة تملك استثمارات كبيرة للغاية، لكنها في المقابل تمنح أقل مميزات للعامل لديها عند التقاعد، بل إن مكافأة ما بعد الخدمة لدى بعض صناديق التقاعد فيها إجحاف في حق المواطن، ويا له من إجحاف؛ فلا هي تُعِينك وسط هوجاء هذا العصر، ولا حتى ترفعك إلى مستوى أفضل، ولا ندري هنا أين تذهب أموال الاستثمار؟!

وعند استقرائي عن الأمر؛ تبينت أن الدراسات الخاصة بالتقاعد والمتقاعدين في الوطن العربي ضَئِيلة للغاية بعكس الدول الأخرى، والمتوفر منها فقط ركَّز على البُعد الإنساني والاجتماعي من حفلات للمتقاعدين وشهادات تكريم، وما عساها تفعل!! وتناسَى الجانب الأهم وهو الجانب المادي فيما بعد التقاعد؛ فالمطلوب هنا هو راحة المتقاعد بمميزات تُعِينه على الحياة المقبلة، لا سيما إذا كانت لديه أعباء مالية سابقة مثل منحه تخفيضات في تذاكر النقل والطيران وشراء الاحتياجات من المواد الأساسية ومنحه نسبة تخفيض لفواتير الكهرباء والماء.

وللأسف، الكثير من الجهات تمنح التقاعد دون دراسة الأحوال المالية للمتقاعد إن كانت لديه قروض والتزامات مادية رُبما تقف حائلا، لا سيما إذا علمنا أنَّ المعاش بعد التقاعد قد يهوي لما يصل إلى أكثر من نصف الراتب الإجمالي لدى بعض القطاعات، فمن أين له ترتيب أموره وقد باغته رَيْب التقاعد، وهو رُبما لا يزال لديه طاقة وشغف للعمل.. ونتيجة لعوز الحالة المادية لدى البعض بعد التقاعد، نجده يعمل في أماكن لا تناسب ألبتة حاله وعمره ووظيفته قبل التقاعد، لكنها الحاجة يا سادة؟!

ما هو المطلوب الآن؟! أعتقد أنَّ المطلوب واضح وضوح الشمس، وهو الاهتمام بالمتقاعد، وإيجاد جهة تُعنى وتهتم بالمتقاعد نفسيا واجتماعيا بل وماليا، وترعي شؤونه غير صناديق التقاعد الموجودة حاليا، والتي لها اختصاصات معينة، وعدم اعتباره من الماضي بعد خروجه من العمل؛ فهو قد خدم وطنه وأفنى زهرة شبابه في سبيل رقيه وتطوره؛ فلا يجب إهماله ونسيانه، وكما علمت أنَّ هناك دولًا خليجية بدأت تطبيق هذه الفكرة، لكنها لم تصل بعد للهدف المنشود والمبتغَى منه في خدمة المتقاعد كونها لا تزال في البداية. نعم، ليس كل المتقاعدين سواء من الناحية المادية، ولكن جُلهم قد يكون بحاجة لرعاية وعناية واهتمام حتى يستشعر أنه ما زال عنصرًا مهمًّا ومشاركًا في المجتمع، ونتمنى أن نسمع عمَّا قريب بُشرى للمتقاعد فيما يخص زيادة مكافأة ما بعد الخدمة، أو زيادة المعاش التقاعدي؛ فالمتقاعد يستحقُّ، ويا حبذا هنا لو تنظر صناديق التقاعد في رفع المعاش بنسبة توازي التضخم الذي يسُود الأسواق حاليا، ويكون هناك تقارب بين الراتب الممنوح والأسعار السوقية للسلع.